اعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَذِبَ لَبِيدٌ ; فَإِنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ فَلَمَّا عَقَّبَ لَبِيدُ ذَلِكَ مُبَيِّنًا لِمُرَادِهِ أَنَّهُ نَعِيمُ الدُّنْيَا بِقَوْلِهِ.
نَعِيمُكَ فِي الدُّنْيَا غُرُورٌ وَحَسْرَةٌ.
الْبَيْتَ، وَسَمِعَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَدَقَ لَبِيدٌ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ
عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ) وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ (قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ: رَدِيفَهُ وَزَادَ فِي مُسْلِمٍ يَوْمًا (فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ: هِيهِ، فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: هِيهِ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: هِيهِ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ) .
فَفِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ (فَأَنْشَدْتُهُ مِائَةَ قَافِيَةٍ) إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ تَنَاشُدِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَافِيَّةِ الْبَيْتُ، وَأَطْلَقَ الْجُزْءَ وَأَرَادَ الْكُلَّ مَجَازًا (مِنْ قَوْلِ أُمَيَّةَ) بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ) قَالَ مِيرَكُ: هُوَ ثَقَفِيٌّ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَدْرَكَ مَبَادِئَ الْإِسْلَامِ، وَبَلَغَهُ خَبَرُ مَبْعَثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ بِالْإِيمَانِ، وَكَانَ غَوَّاصًا فِي الْمَعَانِي، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِهِ: «آمَنَ لِسَانُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ» .
وَذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَعْثِ، وَكَانَ يَتَعَبَّدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَيُنْشِدُ فِي ذَلِكَ الشِّعْرَ الْحَسَنَ، وَأَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَلَمْ يُسْلِمْ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ قَرَأَ التَّوْرَاةَ، وَالْإِنْجِيلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَعْلَمُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَطَمِعَ أَنْ يَكُونَ هُوَ ; فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصُرِفَتِ النُّبُوَّةُ عَنْ أُمَيَّةَ حَسَدَهُ وَكَفَرَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَتْهُ قُرَيْشٌ، فَكَانَتْ تَكْتُبُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا) أَيْ: كُلَّمَا قَرَأْتُ لَهُ بَيْتًا، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، لِمَا فِي الْقَامُوسِ أَنْشَدَ الشِّعْرَ: قَرَأَهُ (قَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ كَذَا فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (هِيهِ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ قَالُوا: وَالْهَاءُ الْأُولَى مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَأَصْلُهَا إِيهِ وَهِيَ لِلِاسْتِزَادَةِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْسَنَ شِعْرَ أُمَيَّةَ، وَاسْتَزَادَ مِنْ إِنْشَادِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَعْثِ.
قَالَ مِيرَكُ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ: «إِيهِ» اسْمٌ يُسَمَّى بِهِ الْفِعْلُ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ إِيهِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، فَإِنْ وَصَلْتَ نَوَّنْتَ فَقُلْتَ: إِيهٍ حَدِيثًا.
وَقَوْلُهُ: وَقَفْنَا فَقُلْنَا إِيهِ عَنْ أُمِّ سَالِمٍ.
فَلَمْ يُنَوِّنْ وَقَدْ وَصَلَ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُرَى الْوَقْفُ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا قُلْتَ إِيهٍ يَا رَجُلُ تَأْمُرُهُ بِأَنْ يَزِيدَكَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنَكُمَا كَأَنَّكَ قُلْتَ هَاتِ الْحَدِيثَ، وَإِنْ قُلْتَ إِيهِ ; فَكَأَنَّكَ قُلْتَ حَدِيثًا مَا ; لِأَنَّ التَّنْوِينَ تَنْوِينُ تَنْكِيرٍ، وَفِي الْبَيْتِ أَرَادَ التَّنْكِيرَ فَتَرَكَهُ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا أَسْكَتَّهُ، وَكَفَفْتَهُ قُلْتَ إِيهًا بِالنَّصْبِ عَنَّا وَإِذَا أَرَدْتَ التَّبْدِيلَ قُلْتَ إِيهًا بِمَعْنَى هَيْهَاتَ (حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةً يَعْنِي بَيْتًا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ يَعْنِي، وَفِي نُسْخَةٍ بَيْتٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةُ تَمْيِيزِ مِائَةٍ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: رُوِيَ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ وَوَجْهُ النَّصْبِ ظَاهِرٌ، وَوَجْهُ الْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَبْقَى الْمُضَافَ إِلَيْهِ عَلَى حَالِهِ كَانَ أَصْلُهُ مِائَةَ بَيْتٍ انْتَهَى. وَفِي نُسْخَةٍ: مِائَةَ بَيْتٍ، وَهُوَ وَاضِحٌ (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute