وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى) لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ أَنَّ التَّيَامُنَ أَوْلَى (تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ مُسْتَقْبِلًا، وَفِي رِوَايَةٍ: تَحْتَ رَأْسِهِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ التَّيَمُّنِ حَالَةَ النَّوْمِ ; لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الِانْتِبَاهِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْقَلْبِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ; فَيُعَلَّقُ وَلَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ بِخِلَافِ النَّوْمِ عَلَى الْأَيْسَرِ ; فَإِنَّ الْقَلْبَ يَسْتَغْرِقُ ; فَيَكُونُ لِاسْتِرَاحَتِهِ حِينَئِذٍ أَبْطَأُ لِلِانْتِبَاهِ قَالُوا: وَالنَّوْمُ عَلَى
الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَ أَهْنَأُ لَكِنَّهُ مُضِرٌّ بِالْقَلْبِ بِسَبَبِ مَيْلِ الْأَعْضَاءِ إِلَيْهِ ; فَتَنْصَبُّ الْمَوَادُّ فِيهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا دُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّهُ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ النَّوْمِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ الْأَيْمَنَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، وَلِتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ ; وَلِأَنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الْهَيْئَةُ عِنْدَ النَّزْعِ وَكَذَا فِي الْقَبْرِ حَالَ الْوَضْعِ وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ وَقْتَ الْعَجْزِ وَالِاسْتِلْقَاءِ وَإِنْ قِيلَ أَحَبُّ عِنْدَ النَّزْعِ وَحَالَةِ الصَّلَاةِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِأَنْ يَكُونُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ مُسْتَقْبِلًا، وَلِخُرُوجِ الرُّوحِ سَهْلًا لَكِنَّ النَّوْمَ عَلَى الظَّهْرِ أَرْدَأُ النَّوْمِ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ مُنْبَطِحًا عَلَى الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرَّ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: «قُمْ وَاقْعُدْ ; فَإِنَّهَا نَوْمَةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ» ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرُقَادِ اللُّوطِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلنَّاظِرِ دَاعِيَةُ الشَّهْوَةِ النَّفْسِيَّةِ الشُّومِيَّةِ (وَقَالَ رَبِّ قِنِي) أَيِ: احْفَظْنِي (عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ) أَيْ: تُحْيِيهِمْ لِلْبَعْثِ، وَالْحَشْرِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، وَأَنَّ الْيَقَظَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْثِ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا» .
وَفِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ بِلَفْظِ: «اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَلَفْظُهُ: «رَبِّ» بَدَلَ «اللَّهُمَّ» قِيلَ وَذَكَرَ ذَلِكَ مَعَ عِصْمَتِهِ، وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، وَإِجْلَالًا لَهُ وَتَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ إِذْ يُنْدَبُ لَهُمُ التَّأَسِّي بِهِ فِي الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ عِنْدَ النَّوْمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا آخِرُ أَعْمَارِهِمْ لِيَكُونَ ذِكْرُ اللَّهِ آخِرَ أَعْمَالِهِمْ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالتَّقْصِيرِ فِي بَابَيِ الِارْتِكَابِ وَالِاجْتِنَابِ الْمُوجِبِ لِلْعَذَابِ وَالْعِقَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. .
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) أَيِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ) مُصَغَّرًا وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ مَسْعُودٍ (مِثْلَهُ) أَيْ: فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ (وَقَالَ: يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَكَ) أَيْ: بَدَلَ «يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ» ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا وَاحِدٌ مَآلًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِمَا فَاكْتَفَى فِي كُلِّ حَدِيثٍ بِأَحَدِهِمَا ; لِأَنَّهُ يَكُونُ الْبَعْثُ أَوَّلًا، ثُمَّ الْجَمْعُ ثَانِيًا، ثُمَّ النَّشْرُ ثَالِثًا كَمَا وَرَدَ وَإِلَيْهِ الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ.
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، «وَرِبْعِيٌّ» بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ التَّابِعِينَ (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَوَى) بِالْقَصْرِ وَقَدْ يُمَدُّ أَيْ: دَخَلَ بِقَصْدِ النَّوْمِ وَمَالَ (إِلَى فِرَاشِهِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ:
مَضْجَعِهِ (قَالَ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا) أَيْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَنَامُ وَأَنْتَبِهُ لِلْقِيَامِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute