للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ (وَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ: يَقْرَأُ هَذِهِ السُّوَرَ، وَيَنْفُثُ حَالَ الْقِرَاءَةِ فِي الْكَفَّيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ (ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ) أَيْ: مَا قَدَرَ عَلَيْهِ (مِنْ جَسَدِهِ) أَيْ: أَعْضَائِهِ (يَبْدَأُ بِهِمَا) أَيْ: بِكَفَّيْهِ (رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ) وَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَسْحِ أَوْ لِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ أَيْ: أَعْضَائِهِ (يَصْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْجَمْعِ وَالنَّفْثِ وَالْقِرَاءَةِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وَالتَّثْلِيثُ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّعَوَاتِ لَا سِيَّمَا هُنَا مِنْ مُطَابَقَتِهَا لِلْأَفْعَالِ الثَّلَاثِ وَالسُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَفِي الْمِشْكَاةِ: فَنَفَثَ فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالْفَاءِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِالْأَوْلَى يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْفَاءَ فِي الثَّانِيَةِ لَيْسَتْ لِتَرْتِيبٍ بَلْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ كَانَ الْيَهُودُ يَقْرَءُونَ وَلَا يَنْفُثُونَ فَزَادَ عَلَيْهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّفْثَ مُخَالَفَةً لَهُمْ أَقُولُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ أَيِ: النُّفُوسِ أَوِ النِّسَاءِ السَّوَاحِرِ الَّتِي يَعْقِدْنَ عَقْدًا فِي خُيُوطٍ وَيَنْفُثْنَ عَلَيْهَا، وَتَخْصِيصُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتِ الْمَعُوذَتَانِ وَخَبَّرَهُ جِبْرِيلُ بِمَوَاضِعِ السِّحْرِ، فَأَرْسَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَ بِهِ فَقَرَأَهُمَا عَلَيْهِ فَكَانَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ بَعْضَ الْخِفَّةِ قَالَ مِيرَكُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: «جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فَقَرَأَ» وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْثَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ; بِأَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَلَى وَهْمِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ

فِيهِ مُخَالَفَةُ السَّحَرَةِ وَالْبَطَلَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ثُمَّ أَرَادَ النَّفْثَ فَقَرَأَ، وَنَفَثَ وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِأَنْ جَمَعَ كَفَّيْهِ، فَقَرَأَ فِيهِمَا ثُمَّ نَفَثَ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ النَّفْثَ وَقَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَبَعْدَهَا أَيْضًا. وَأَمَّا رِوَايَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِالْوَاوِ فَأَخَفُّ إِشْكَالًا لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ لَا التَّرْتِيبَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ النَّفْثَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قُلْتُ وَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِالْوَاوِ قَالَ شَارِحٌ مِنْ عُلَمَائِنَا: وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّفْثِ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْوَاوِ بَلْ مِنَ الْفَاءِ، وَلَعَلَّ الْفَاءَ سَهْوٌ مِنَ الْكَاتِبِ أَوِ الرَّاوِي، قُلْتُ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَخْطِئَةِ الرُّوَاةِ وَلَا الْكُتَّابِ، وَلَا يُفْتَحُ هَذَا الْبَابُ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْخَطَأُ بِالصَّوَابِ، بَلْ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهٍ فِي الْجُمْلَةِ فَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا تُفِيدُ الْفَاءُ التَّرْتِيبَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا أَوْ بِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ، وَحَيْثُ صَحَّ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ بِالْوَاوِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْفَاءُ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، فَفِي الْقَامُوسِ أَيْضًا أَنَّ الْفَاءَ تَأْتِي بِمَعْنَى الْوَاوِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ كُرَيْبٍ) مُصَغَّرًا (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ حَتَّى نَفَخَ) أَيْ: بِفَمِهِ (وَكَانَ) أَيْ: عَادَتُهُ (إِذَا نَامَ نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ) بِالْمَدِّ أَيْ: أَعْلَمَهُ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ: لِصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوِ الظُّهْرِ (فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ عَيْنَهُ كَانَتْ تَنَامُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَيَقَظَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>