فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَاتَتْ حَفْصَةُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ انْتَهَى.
وَقَدْ حَقَّقَ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّ الِانْقِطَاعَ مِنْ طَرِيقِ الثَّبَاتِ لَا يَضُرُّ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَأَلَ سَائِلٌ عَائِشَةَ (مَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِكِ) وَلَعَلَّ وَجْهُ التَّخْصِيصِ أَنَّ بَيْتَهَا كَانَ أَعَزَّ الْبُيُوتِ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بَعْدَهَا حَفْصَةُ لِمَكَانِ أَبَوَيْهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ بَقِيَّةِ كِمَالَاتِهِمَا (قَالَتْ: مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ) وَفِي نُسْخَةٍ أَدَمٌ بِالرَّفْعِ بِدُونِ كَلِمَةِ مِنْ ثُمَّ قِيلَ الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ لَا لِأَدَمٍ ; لِأَنَّهُ جَمْعٌ ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صِفَةٌ لِأَدَمٍ لَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْفِرَاشُ مَصْنُوعًا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُ ذَلِكَ الْأَدَمِ لِيفٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَدَمِ قَبْلَ الصُّنْعِ حَشْوٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَمَا صُنِعَ فِرَاشًا انْتَهَى.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنُ الْمَبْنَى، وَمُسْتَحْسَنُ الْمَعْنَى، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ: فِيهِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ جَمْعٌ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ لَاقْتَضَى إِلَى آخِرِهِ فِي هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ الَّتِي زَعَمَهَا نَظَرٌ بَلْ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْفِرَاشَ اسْمٌ لِمَا يُفْرَشُ، وَهُوَ يَكُونُ تَارَةً أَدَمًا، وَتَارَةً غَيْرَهُ، وَإِذَا كَانَ أَدَمًا فَتَارَةً يَكُونُ مَحْشُوًّا، وَتَارَةً يَكُونُ بِلَا حَشْوٍ فَبَيَّنَتْ بِقَوْلِهَا حَشْوُهُ لِيفٌ أَنَّهُ أَدَمٌ مَحْشُوٌّ لَا خَالٍ عَنِ الْحَشْوِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ، وَظَاهِرُ إِلَى آخِرِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى كَوْنِهِ صِفَةً لِأَدَمٍ مَحْذُورٌ أَصْلًا انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَازَمَةَ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ بَلْ بَدِيهِيَّةٌ، فَإِنْكَارُهُ حَشْوٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُصَادَرَةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْمُكَابَرَةِ، وَالْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ سَابِقًا إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْأَدَمُ اسْمَ جَمْعٍ، وَحَيْثُ أَنَّهُ جَمْعٌ فَلَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الضَّمِيرِ
وَالْمَرْجِعِ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنَى (وَسُئِلَتْ حَفْصَةُ) يَعْنِي أَيْضًا (مَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِكَ قَالَتْ: مِسْحًا) أَيْ: كَانَ مِسْحًا، وَهُوَ بِكَسْرِ مِيمٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ أَيْ: فِرَاشًا خَشِنًا مِنْ صُوفٍ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْبِلَاسِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِسْحٌ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ هُوَ هُوَ أَوْ فِرَاشُهُ مِسْحٌ (ثَنَيْتُهُ) رُوِيَ مِنَ الثَّنْيِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يُقَالُ ثَنَاهُ عَطَفَهُ وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقَوْلُهُ (ثِنْيَتَيْنِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: طَاقَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى نَعْطِفُهُ عَطْفَ ثِنْيَيْنِ أَيْ عَطْفًا يَحْصُلُ مِنْهُ طَاقَانِ فَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَيُؤَيْدِهِ مَا فِي نُسْخَةِ ثِنْتَيْنِ بِدُونِ تَاءِ الْوَحْدَةِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ كَذَا حَقَّقَهُ الْعِصَامُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَرُوِيَ مِنَ التَّثْنِيَةِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى لِقَوْلِهِ ثِنْتَيْنِ، وَلِأَنَّ التَّثْنِيَةَ عَلَى مَا فِي التَّاجِ جَعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا، وَهُوَ لَا يُلَائِمُ هَذَا الْمَقَامَ انْتَهَى.
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِجَعْلِ الشَّيْءِ ثَانِيًا أَنْ يَقَعَ الْقَطْعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ثِنْتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ صِفَةَ مَفْعُولٍ مُطْلَقٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (فَيَنَامُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ ذَاتُ لَيْلَةٍ) بِالرَّفْعِ أَيْ: تَحَقُّقُ لَيْلَةٍ فَكَلِمَةُ كَانَ تَامَّةٌ، وَقَدْ يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ ضَمِيرُ كَانَ رَاجِعٌ إِلَى الْوَقْتِ، وَالزَّمَانِ، وَذَاتُ مُقْحَمَةٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَوِ الْمُرَادُ بِهَا سَاعَاتُ لَيْلَةٍ (قُلْتُ) أَيْ: فِي نَفْسِي أَوْ لِبَعْضِ خَدَمِي (لَوْ ثَنَيْتُهُ) أَيْ: عَطَفْتُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْوَاحِدِ مِنَ الثَّنْيِ عَلَى حَدِّ ضَرْبِ (أَرْبَعُ ثِنْيَاتٍ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ: طَاقَاتٌ لَا طَفَقَاتٍ، وَإِنِ اقْتَضَاهُ كَوْنُهُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا، وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ، وَلَعَلَّ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ: أَوْ ثَنَيْتُهُ ثَنْيًا مُلَابِسًا بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ مِنْ قَبِيلِ مُلَابَسَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ فِي ضِمْنِهِ (كَانَ) أَيْ: لَكَانَ فِرَاشُهُ حِينَئِذٍ (أَوْطَأَ لَهُ) أَيْ: أَلْيَنَ مِنْ وَطِئَ يُوطِئُ إِذَا لَانَ مِنْ بَابِ حَسِنَ يُحْسِنُ، وَيُقَالُ وَطَّأَ الْمَوْضِعَ يُوطَأُ وَطْأَةً أَيْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute