للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّهِ أَوْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ زَادَ بِهَذِهِ مَرَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ غَيْرُ الْمَذْكُورَةِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ اتِّحَادُ الْقِصَّةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الرِّوَايَاتِ هَذَا وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ أَمَةٌ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَنْطَلِقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.

وَلِأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِي حَاجَتِهَا، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ إِنْ كَانَتِ الْوَلِيدَةُ مِنْ وَلَائِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَجِئُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْقُ وَالِانْقِيَادُ وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ لِذِكْرِ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَالْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ وَحَيْثُ عَمَّ بِلَفْظِ الْإِمَاءِ أَيْ: أَيَّ أَمَةٍ كَانَتْ، وَبِقَوْلِهِ حَيْثُ شَاءَتْ أَيْ: مِنَ الْأَمْكِنَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتُهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتَهَا فِي تِلْكَ الْحَاجَةِ لَسَاعَدَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَزِيدِ تَوَاضُعِهِ، وَبَرَاءَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِي لَهُ الْحَاجَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا صَبْرُهُ عَلَى الْمَشَقَّةِ فِي نَفْسِهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِجَابَتُهُ مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً، وَبُرُوزُهُ لِلنَّاسِ وَقُرْبُهُ مِنْهُمْ لِيَصِلَ إِلَيْهِ ذَوُو الْحُقُوقِ إِلَى حُقُوقِهِمْ، وَيَسْتَرْشِدَ النَّاسُ بِأَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ تَنْبِيهًا مِنْهُ لِحُكَّامِ أُمَّتِهِ، وَنَحْوِهِمْ عَلَى أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ.

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنْبَأَنَا) ، وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ مُخَفَّفًا (عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ) أَيِ: الْمَشْهُورُ بِهِ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُ الْمَرِيضَ) أَيْ: أَيَّ مَرِيضٍ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا شَرِيفًا أَوْ وَضِيعًا حَتَّى لَقَدْ عَادَ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدِمُهُ، وَعَادَ عَمَّهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ الْأَوَّلُ، وَقِصَّتُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْنُو مِنَ الْمَرِيضِ، وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَيَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ، وَيَقُولُ كَيْفَ تَجِدُكَ أَوْ كَيْفَ أَصْبَحْتَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَيْتَ أَوْ كَيْفَ هُوَ وَيَقُولُ

لَا بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَفَارَّةٌ وَطَهُورٌ وَقَدْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَأْلَمُ ثُمَّ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ اللَّهُ يَشْفِيكَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ مَرِضْتُ فَأَتَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ فَوَجَدَانِي أُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَنَفَخَ فِي وَجْهِي فَأَفَقْتُ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا جَابِرُ لَا أَرَاكَ مَيِّتًا مِنْ وَجَعِكَ هَذَا وَصَحَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: بِسُنِّيَّتِهِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَصَحَّ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَصَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي، وَأَمَّا حَدِيثُ: ثَلَاثَةٌ لَيْسَ فِيهَا عِيَادَةٌ الرَّمَدُ، وَالدُّمَّلُ وَالضِّرْسُ فَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعُودُ مَرِيضًا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ ضَعِيفٌ بَلْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بَاطِلٌ ثُمَّ تَرْكُ الْعِيَادَةِ يَوْمَ السَّبْتِ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا يَهُودِيٌّ أَلْزَمَهُ مَلِكٌ مَرِضَ بِمُلَازَمَتِهِ فَأَرَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الذَّهَابَ لِسَبْتِهِ فَمَنَعَهُ فَخَافَ اسْتِحْلَالَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْمَرِيضَ لَا يُدْخَلُ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَتَرَكَهُ الْمَلِكُ ثُمَّ أُشِيعَ ذَلِكَ، وَصَارَ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ أَصْلًا، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ تَرَكُوا الْعِيَادَةَ فِيهِ، وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَالْأَرْبِعَاءِ، وَالْجُمُعَةِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فَسَّرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى فَلَا وَجْهَ لَهُ بَلْ أَقُولُ الْمَرْضَى فِي حُكْمِ الْمَوْتَى فَالْقِيَاسُ فِعْلُهُ، وَمِنَ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْفُرَاوِيِّ أَنَّهَا تُنْدَبُ شِتَاءً لَيْلًا وَصَيْفًا نَهَارًا وَحِكْمَتُهُ تَضَرُّرُ الْمَرِيضِ بِطُولِ اللَّيْلِ شِتَاءً وَالنَّهَارِ صَيْفًا فَيَحْصُلُ لَهُ بِالْعِيَادَةِ مِنَ الِاسْتِرْوَاحِ مَا يُزِيلُ عَنْهُ تِلْكَ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ، وَلِذَا قِيلَ لِقَاءُ الْخَلِيلِ شِفَاءُ الْعَلِيلِ، وَقَدْ جَاءَ فِي فَضِيلَةِ الْعِيَادَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَقِيلَ أَنَّ الْعِيَادَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَفِيهِ تَعْمِيَةٌ لَطِيفَةٌ خَطِّيَّةٌ وَحِسَابِيَّةٌ، وَعِيَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَوْنِهَا عِبَادَةَ تَوَاضُعٍ ; لِأَنَّ التَّوَاضُعَ خُرُوجُ الْإِنْسَانِ عَنْ مُقْتَضَى جَاهِهِ، وَتَنَزُّلُهُ عَنْ مَرْتَبَةِ أَمْثَالِهِ (وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ) أَيْ: لِلصَّلَاةِ، وَالدَّفْنِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سُنَّةٌ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَوَاضُعِهِ أَيْضًا وَكَانَ إِذَا شَيَّعَ جِنَازَةً عَلَا كَرْبُهُ، وَأَقَلَّ الْكَلَامَ، وَأَكْثَرَ حَدِيثَ نَفْسِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ) أَيْ: مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّاقَةِ، وَالْفَرَسِ وَالْجَمَلِ وَرُبَّمَا كَانَ يُرْدِفُ أَحَدًا مَعَهُ (وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ) وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>