نُونٌ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى قُرَيْشٍ، صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّعْلِيقِ، وَمُسْلِمٌ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي صِحَاحِهِمْ، تَغَيَّرَ حِفْظُهُ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ. (عَنْ هِشَامٍ) : أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَإِمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ أَحْيَانًا. (بْنِ عُرْوَةَ) : أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ بَحْرًا لَا يُكَدَّرُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ. (عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَحَدِ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرَةِ. (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ) : أَفَادَتِ الْحِكَايَةُ الْمَاضِيَةُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِشَارَةً إِلَى تَكْرَارِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، أَيْ: اغْتَسَلْتُ مُكَرَّرًا. (أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ، وَيُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أُبْرِزَ الضَّمِيرُ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْعَطْفُ وَلَا يُقَالُ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَغْلِيبِ الْمُتَكَلِّمِ الْغَائِبِ كَمَا غُلِّبَ الْمُخَاطَبُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) فَإِنْ قُلْتَ: النُّكْتَةُ هُنَاكَ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْلٌ فِي سُكْنَى الْجَنَّةِ، قُلْتُ هُنَا: لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ النِّسَاءَ مَحَلُّ الشَّهَوَاتِ وَحَامِلَاتٌ لِلِاغْتِسَالِ فَكُنَّ أَصْلًا، انْتَهَى. أَوْ أَنَّ الْأَصْلَ إِخْبَارُ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُعَدًّا لِغَسْلِهَا وَشَارَكَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ. (مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِاغْتَسَلَ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ الْغُسْلَانُ مُتَعَاقِبَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ تُقَدُّمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَدَبِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمَعِيَّةِ يُحْتَمَلُ التَّسَتُّرُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جَمَالِ حَالِهِمَا وَكَمَالِ حَيَائِهِمَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّكَشُّفِ يَحْتَمِلُ عَدَمُ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: «مَا رَأَيْتُ مِنْهُ وَلَا رَأَى مِنِّي» يَعْنِي الْفَرْجَ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ امْرَأَتِهِ وَبِالْعَكْسِ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ: سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، يَعْنِي عَنِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى عَوْرَةِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً فَقَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، انْتَهَى. وَفِي كَوْنِهِ نَصًّا مَحَلُّ نَظَرٍ إِذْ عَلَى تَقْدِيرِهِ يُنَاقِضُ مَا سَبَقَ عَنْهَا فَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى مَا عَدَا الْفَرْجِ مِنَ الْأَفْخَاذِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَشِفُ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ، ثُمَّ قِيلَ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَجْعَلُ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا، وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِمَا غَسْلُ أَيْدِيهِمَا خَارِجَ الْإِنَاءِ ثُمَّ تَنَاوُلُهُمَا مِنَ الْمَاءِ. قَالَ مِيرَكُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ» ، فَقِيلَ: الْأُولَى ابْتِدَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ: بَيَانِيَّةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: «مِنْ قَدَحٍ» بَدَلُ «مِنْ إِنَاءٍ» بِإِعَادَةِ الْجَارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ ; أَيْ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ
أَجْلِهَا قَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَ هَذَا الْإِنَاءُ مِنْ شَبَهٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَفْظُهُ: «مِنْ تَوْرٍ مَنْ شَبَهٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «مِنْ إِنَاءٍ يُقَالُ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute