للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مِيرَكُ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَالنُّسَخِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ الْعِظَامِ وَالْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَلَمْ أَرَ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَبِرَةٍ خِلَافَ ذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فِي خَلْقِ النَّبِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّسُولِ، وَشَرَعَ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ الْفَاسِدِ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَجَعْلَ أَلْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي نُسْخَتِنَا الْمُصَحَّحَةِ وَأُصُولِ مَشَايِخِنَا الْمُعْتَبَرَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ لَفْظَ رَسُولِ اللَّهِ فِي عُرْفِ هَذَا الْفَنِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ صَارَ كَالْعَلَمِ لِذَاتِ أَشْرَفِ الْكَوْنَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَدْ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ إِطْلَاقَ الرَّسُولِ لِلْإِيهَامِ، وَقَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ لَا يَسْتَدْعِي الْفَرْقَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَإِنْ تَحَقَّقَتَا فِي حَقِّهِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْمَبْدَأِ وَالْمُنْتَهَى ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنَّ النَّبِيَّ وَالرَّسُولَ هُنَا هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهِمَا الْمُسَمَّى بِمُحَمَّدٍ وَلَوْ قَبْلَ الِاتِّصَافِ بِهِمَا، قَالَ الْكَافِيَجِيُّ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، إِلَى هَاهُنَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَا بَعْدَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالنَّضْرُ أَبُو قُرَيْشٍ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ فِهْرٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ أُمُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا مَوْلِدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامَ الْفِيلِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ بِثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ وَأَنَّهُ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ثَانِيهِ أَوْ ثَامِنِهِ أَوْ عَاشِرِهِ أَوْ ثَانِي عَشَرِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ ضَبَطْتُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ فِي الْمَوْرِدِ الرَّوِيِّ لِلْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ.

قِيلَ الْبَابُ لُغَةً اسْمٌ لِمَدْخَلِ الْأَمْكِنَةِ كَبَابِ الْمَدِينَةِ وَالدَّارِ، وَفِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ الْبُلَغَاءِ يُقَالُ لِمَا تُوُصِّلَ مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ هُنَا مَعْرِفَةُ أَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي بَيَانِ

خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّ الْبَابَ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْكِتَابِ لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ مَعْلُومَانِ، وَلَيْسَتْ مَدْخَلًا فِي شَيْءٍ، بَلْ هِيَ بَيْتٌ مِنَ الْمَعَانِي، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْبَابُ اسْمًا لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهَا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ بِمَعْنَى الْوَجْهِ إِذْ هُوَ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَكُلُّ بَابٍ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْكَلَامِ سُمِّيَ بَابًا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ كَاخْتِلَافِ الْوُجُوهِ إِلَّا أَنَّ جَمْعَ الْمُؤَلِّفِينَ لَهُ عَلَى الْأَبْوَابِ يُلَائِمُ الْأَوَّلَ إِذْ جَمْعُ الثَّانِي بَابَانِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْكِتَابَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ وَالْبَابُ بِمَنْزِلَةِ النَّوْعِ وَالْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ الصِّنْفِ، ثُمَّ إِنَّهُ شَبَّهَ الْمَعْقُولَ بِالْمَحْسُوسِ فَالْكِتَابُ كَالدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْبُيُوتِ فَكُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْمَسَائِلِ كَبَيْتٍ وَأَوَّلُهُ كَبَابِهِ الَّذِي يُدْخَلُ مِنْهُ فِيهِ، وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ مُضَافٌ إِلَى قَوْلِهِ مَا جَاءَ وَلَمْ يَقِلْ بَابُ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْبَابِ لَيْسَ الْخَلْقَ بَلْ مَا جَاءَ فِي الْخَلْقِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْخَلْقِ، قَالَ مِيرَكُ شَاهْ: اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ الْمَسْمُوعَةَ فِي أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ بَابُ مَا جَاءَ إِلَى آخِرِهِ بِطَرِيقِ إِضَافَةِ الْبَابِ إِلَى مَا بَعْدَهُ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا الْبَابُ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ; قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا إِلَى آخِرِ الْبَابِ بِتَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بَابٌ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْضًا، وَيَكُونُ مَا جَاءَ اسْتِئْنَافًا كَأَنَّ الطَّالِبَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ «بَابٌ» خَطَرَ فِي بَالِهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، وَيَقُولَ: أَيُّ شَيْءٍ يُورَدُ فِي هَذَا الْبَابِ؟ فَيُجِيبَ بِقَوْلِهِ: مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي بَيَانِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَكَلَّفَ وَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: الِاسْتِئْنَافُ ; يَكُونُ جُمْلَةً. وَقَوْلُهُ: مَا جَاءَ صِلَةٌ وَمَوْصُولٌ أَوْ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ جُمْلَةً، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا؟ قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُبْتَدَأٌ أَيِ الْمَوْرُودُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا جَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً بِمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ جَاءَ كَمَا فِي قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ؟ تَأَمَّلْ، وَجَوَّزَ الشَّارِحُ الْكَرْمَانِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ بَابٌ بِالْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدَادِ لِلْأَبْوَابِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُ مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ وَمَا بَعْدَهُ اسْتِئْنَافٌ كَمَا سَبَقَ، لَكِنْ يَخْدِشُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ التَّعْدَادَ فِي عُرْفِ الْبُلَغَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ لِضَبْطِ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْمَعْدُودِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَضْلًا عَنْ إِيرَادِ الْأَحْوَالِ الْكَثِيرَةِ بَيْنَ الْمَعْدُودَاتِ.

وَالْخَلْقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فِي اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ الْمُسْتَقِيمُ الْمُوَافِقُ لِلْحِكْمَةِ ; يُقَالُ: خَلَقَ الْخَيَّاطُ الثَّوْبَ إِذَا قَدَّرَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَعَلَيْهِ وَرَدَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي إِبْدَاعِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، وَفِي إِيجَادِ الشَّيْءِ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ. وَالْخُلُقُ بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ الدِّينُ وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لِصُورَةِ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَلْقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا، قِيلَ: وَقَدَّمَ الْأَوْصَافَ الظَّاهِرَةَ عَلَى الْبَاطِنَةِ مَعَ أَنَّ مَنَاطَ الْكَمَالِ هُوَ الْبَاطِنُ، وَلِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>