للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، قِيلَ: أَيْ ظَهَرَ فِيكَ آثَارُ الشَّيْبِ مِنَ الثِّقَلِ وَضَعْفِ الْبَدَنِ وَنَحْوِهِمَا، فَهُوَ لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ قِلَّةِ الشَّيْبِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَأَنَّ حِكْمَةَ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ مِزَاجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَدَلَتْ فِيهِ الْأَمْزِجَةُ وَالطَّبَائِعُ الْأَرْبَعَةُ وَاعْتِدَالُهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الشَّيْبِ وَلَوْ فِي أَوَانِهِ فَكَانَ شَيْبُهُ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ كَأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى أَوَانِهِ، انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ يُوجِبُ الِاعْتِدَالَ بِأَنَّ ظُهُورَ الشَّيْبِ لَا يَكُونُ قَبْلَ زَمَانِهِ وَلَا بَعْدَ أَوَانِهِ بِخِلَافِ عَدَمِ الِاعْتِدَالِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، فَقَوْلُهُ: وَاعْتِدَالُهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الشَّيْبِ وَلَوْ فِي أَوَانِهِ، غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ ظَهَرَ فِيكَ أَثَرُ الضَّعْفِ وَالْكِبَرِ، انْتَهَى. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْجَوَابِ. (قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَيَّبَتْنِي) : أَيْ ضَعَّفَتْنِي وَوَهَّنَتْ عِظَامِي وَأَرْكَانِي لَمَّا أَوْقَعَتْنِي فِي الْهُمُومِ وَأَكْثَرَتْ أَحْزَانِي. (هُودٌ) : بِضَمِّ الدَّالِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَقَالَ مِيرَكُ: صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا هُودٌ بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ مَعًا عَلَى أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ، انْتَهَى. وَزَعَمَ الْحَنَفِيُّ وَتَبِعَهُ الْعِصَامُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمَا بِمَا قَالَ الرِّضَى إِنْ جُعِلَ هُودٌ اسْمَ السُّورَةِ لَا يُصْرَفُ لِأَنَّهُ كَمَاهْ وَجُورَ وَإِنْ جُعِلَ اسْمَ النَّبِيِّ صُرِفَ وَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ حِينَئِذٍ أَيْ سُورَةَ هُودٍ. (وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ) : بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ خَفْضُهَا عَلَى الْحِكَايَةِ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. (وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) : أَيْ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا، وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى السُّوَرِ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْحَقِيقِيُّ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ اهْتِمَامِي بِمَا فِيهَا مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمَثُلَاتِ النَّوَازِلِ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أَخَذَ مِنِّي مَا أَخَذَهُ حَتَّى شِبْتُ قَبْلَ أَوَانِ الْمَشِيبِ خَوْفًا عَلَى أُمَّتِي، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ: رُوِيَ عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» قَالَ: «نَعَمْ» فَقُلْتُ: بِأَيَّةِ آيَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) ، انْتَهَى. وَهُوَ لَا يُنَافِي أَسْبَابًا أُخَرَ مَذْكُورَةً فِي سَائِرِ السُّوَرِ مَعَ أَنَّ مَرْجِعَ الْكُلِّ إِلَيْهَا وَلِذَا قِيلَ الِاسْتِقَامَةُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ كَرَامَةٍ

وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِقَامَةِ مَذْكُورٌ فِي الشُّورَى أَيْضًا، مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَصْرِ حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا سَمِعَ فِي هُودٍ أَوْ بِأَنَّ الِاسْتِقَامَةَ فِي الشُّورَى مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثَّبَاتُ وَالْمُدَاوَمَةُ، بِخِلَافِ مَا هُوَ فِي هُودٍ، فَإِنَّ فِيهَا أَمْرُ الْأُمَّةِ بِهَا أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمَ ضَعْفَهُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثُ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» فَلِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ بِحَالِهِمْ وَمُلَاحَظَةِ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ وَمَآلِهِمْ صَارَ مُعْتَكِفًا فِي زَاوِيَةِ الْغَمِّ وَالْهَمِّ، فَظَهَرَ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ أَثَرُ الضَّعْفِ وَالْأَلَمِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا انْدَفَعَ التَّدَافُعَاتُ وَالِاضْطِرَابَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الشُّرُوحِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ هُودٍ لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ الذِّكْرِيَّ لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَرْفُ الْوَاوِ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَمَحَلُّ بِحَثٍ فَإِنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ الذِّكْرِيِّ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ جَوَازِ تَأْخِيرِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) فَإِنَّهُ أَفَادَ تَقْدِيمَ الصَّفَا وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «ابْدَءُوا» أَوْ «ابْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ، وَكَمَا أَخَذَ بِهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَتَقْدِيمُ هُودٍ مُتَعَيَّنٌ لِتَقَدُّمِهَا فِي التَّنْزِيلِ عَلَى السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَتَقْدِيمُ مَا حَقُّهُ التَّقْدِيمُ لَا يُفِيدُ أَمْرًا زَائِدًا بِخِلَافِ تَقْدِيمِ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالِاخْتِصَاصَ كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نَعَمْ، إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ لِلتَّقْدِيمِ وَوَجْهٌ لِلتَّأْخِيرِ فَيُحْتَاجُ إِلَى نُكْتَةٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (رَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ، وَقَوْلِهِ: (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) تَقَدَّمَ هَارُونَ عَلَى مُوسَى لِأَنَّهُ أَكْبَرُ سِنًّا مَعَ مَرَاعَاتِ الْفَاصِلَةِ، وَقُدِّمَ مُوسَى لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>