للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجة لِما ليس بحجة باطل [والأخذ بما رواه] إذا كان ثقةً حافظًا [أكثر بعدًا] عن الخطأ ورأيه ليس بمعصوم. فلا نترك ما ضُمِنَت لنا فيه العصمة (١) إلى ما لم تُضمن لنا فيه.

وأيضًا: إن مخالفته لما رواه يجوز أن يكون بنسيانٍ، أو غلطٍ، أو قيام مُعارضٍ عندَه ظنَّه راجحًا وليس كذلك، أو لحمله ما رواه على غير ظاهره، أو لاعتقاده نسخَه، أو لعدم صحته عنده، فتعيينُ احتمال النسخ من بين هذه الاحتمالات (٢) تحكُّم لا معنى له.

وأيضًا: فإنَّ هذا المَدْرَك لو كان صحيحًا، لكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى به؛ لأنهم أعلم بالتأويل وبالناسخ والمنسوخ، فكان أحدهم إذا روى حديثًا وأفتى بخلافه= أُخِذ بفتواه، وتُرِك ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣).

وقد روى ابن عباس ــ حبر الأمة وعالمُها ــ حديثَ بَريرة (٤) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيَّرها لمّا بيعت وعَتَقَت بين المُقام مع زوجها وبين فَسْخ النكاح، فاختارت فسخ النكاح، ولم يكن بيعها طلاقًا لها. ثم أفتى هو وجماعة من


(١) «وترك الحجة ... فيه العصمة» بياض في (ف).
(٢) الأصل و (ف): «الاحتمال».
(٣) الأمثلة الآتية في مخالفة الراوي لما رواه ذكرها المصنف أيضًا في «إعلام الموقعين»: (٤/ ٣٩٤ - ٤٠٩).
(٤) أخرجه البخاري (٥٢٨٣)، وأحمد (١٨٤٤)، والدارمي (٢٣٣٨)، وأبو داود (٢٢٣١)، وابن ماجه (٢٠٧٥)، والنَّسائي (٥٤١٧).