ابن شهاب العنبري، عن أبيه: أنه سأل أبا هريرة عن سؤر الحوض، تَلِغُ فيه الكلاب، ويشرب منه الحمار؟ فقال أبو هريرة: لا يحرِّم الماءَ شيء (١). فلم يجعلوا فتوى [ق ٥٩] أبي هريرة دليلًا على نَسْخِ الحديث الذي رواه ولا ضَعْفِه.
وهذا بابٌ يطول تتبُّعه وجمعُه، وإنما نبَّهنا على اليسير منه. ومما يُقضى منه العجب: أنهم إذا رأوا الرواية عن صاحب من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره بخلاف ما روى تُوافِقُ قولَ من قلَّدوه قالوا: ما كان ليترك ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو عنده منسوخ، أو لأمرٍ اطلع عليه خفي علينا، وإلا قَدَح ذلك في عدالته وسقطت روايته رأسًا، ويَبطلُ جميعُ ما رواه. فإذا كانت الرواية عنه بفتواه بخلاف ما رَوى تُخالف قولَ من قلَّدوه، والحديث يوافق قوله قالوا: الحُجَّة فيما روى، ولعله نسي أو تأوَّل تأويلًا ظنَّه موجِبًا لترك ما رواه، وليس كذلك في نفس الأمر.
وقد رأينا هذا وهذا في كثير من كلامهم، والميزان الراجح عندهم هو قول من قلدوه، فإن وافقه قول الراوي ورأيه، ذكروا تلك الطريق وسلكوها، وإن خالفه قول الراوي ورأيه سلكوا الطريق الأخرى، وقدَّموا النص.
والذي يتعيَّن المصيرُ إليه، ولا يجوز العدول عنه هو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو المعصوم من الخطأ، والنقلُ عنه بذلك نقلٌ مصدَّق عن قائل معصوم،
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١٥١٩) قال: حدثنا ابن عُلية به.