والمبتدعة الذين ينفون هذه الصفة كغيرها من الصفات الفعلية يؤولون الاستواء بالاستيلاء، فيقولون:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(٥) سورة طه] يعني استولى، وهذا قول الأشاعرة، يؤولون الاستواء بالاستيلاء؛ لأن هذا اللفظ ثبت بدليلٍ قطعي، فتحريفه أو إمكاننا فيه؛ لأنه إذا ثبت بدليلٍ قطعي غير وارد، لا يمكن أن يقول الأشعري أو غيره ممن ينفي الصفات ممن يتدين وينتسب إلى القبلة أن يقول هذه الكلمة لا تثبت، بل ثبتت بالقرآن بالدليل القاطع، يعني إذا نازعوا في الصفات التي ثبتت بأدلة ظنية من آحاد السنة، وزعموا أن الآحاد لا تثبت بها العقائد، فلا يستطيعون بحال أن ينفوا ما ثبت بالأدلة القطعية، كالاستواء هنا.
لفظ الاستواء لا يمكن نفيه، لكن يحرفون معناه، يحرفونه فيقولون: معنى استوى استولى، ويستدلون على تحريفهم للفظ والمعنى ببيتٍ ينسب لبعض الشعراء، وإن كان مجهولاً لا تعرف عينه ولا ذاته فضلاً عن عدالته وثقته، فضلاً عن كونه ممن يحتج بقوله أو لا يحتج، يستدلون بقول الشاعر:
قد استوى بشرٌ على العراقي ... من غير سيفٍ أو دمٍ مهراقي
يقولون هنا استوى ما فيه إلا معنى استولى، يعني استولى على العراق، وحينئذٍ يكون معنى استوى في هذه النصوص هو معنى ما جاء في هذا البيت، لكن هذا البيت حكم جمعٌ من أهل التحقيق بأنه مولد مصنوع، ولم يثبت عمن يحتج بقوله من العرب الأقحاح، ولا يوجد في لغة العرب تفسير الاستواء بالاستيلاء، لا يوجد في لغة العرب تفسير الاستواء بغير الألفاظ الأربعة التي ثبتت عن سلف هذه الأمة.
فالاستواء هو العلو والارتفاع، فهو -سبحانه وتعالى- كما أخبر عن نفسه، وأخبر عنه نبيه -عليه الصلاة والسلام- أنه مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه.
ابن القيم - رحمه الله تعالى- في بيان معاني الاستواء الأربعة يقول في نونيته:
فلهم عبارات عليها أربعٌ ... قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ... ارتفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو رابعٌ ... وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره ... أدرى من الجهمي بالقرآن
والأشعري يقول تفسير استوى ... بحقيقة استولى من البهتان