فحاول كبارهم الوصول إليها بعقولهم، وخافوا من زللها في تصوراتها، فوضعوا موازين وقواعد تعصم أذهانهم وعقولهم بزعمهم من الخطأ، ليجزموا بصحة ما وصلوا إليه.
فقدموا لما جهلوا أو أرادوا إثباته بمقدمات مسلمة ضرورة، ليصلوا إلى نتيجة مجهولة أو متنازع فيها، وما زادتهم تلك القواعد إلا ضياعا وضلالا في باب الإلهيات، والغيبيات عامة.
فإذا كانت هذه وظيفة علم الكلام، أيطلبه رجل قد رضي بالله تعالى ربا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالإسلام دينا، قد صدق بما جاء عن الله في كتابه الكريم، وما قاله نبيه صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين؟
لا والله، ولكن لما كان أولئك الضلال المبتدعة جهمية ومعتزلة ونحوهم شكاكا ذوي ريبة تختلج وتتلجلج في صدورهم، وتحشرجهم في نحورهم، عمدوا إليه عطاشى، فشربوا منه شرب الهيم، فما زادهم إلا عطشا، فلهذا تجدهم أجهل الناس بالكتاب والسنة وعلومها.
وزاد جهلهم بهما: طلبهم ما يناقضهما، ويعارضهما، فزادوا على الشر شرا أعظم منه، ولما بلغوا غايتهم فيه، وقضوا تهمتهم منه إذا بشكهم قد زاد، وما كان عندهم من إيمان قليل - قبل ولوجهم في علم الكلام - قد زال.