فكم أريقت دموع مخذول تحير في الحق، لا يدري بما يورد وبما يصدر، وكم تفوه آخر بالحسرات والعبرات، وحسد العجائز وذوي الجهالات لسلامة قلوبهم، وطهارة أنفسهم، وسأل الله إيمانا كإيمانهم بعد بلوغه في علم الكلام ما بلغ.
وقد قدمت في فصل سابق أقوال جماعة من كبار المتكلمين وأئمتهم، يتحسرون ويتندمون على دخولهم فيه، فهل يتمنى مؤمن ذلك أو يسعى إليه؟ حاشا لله.
الوجه الرابع: أن زعم المالكي أن الحنابلة - ومراده السلف جميعا - لم يفهموا حجج الآخرين من المعتزلة والكلابية والأشاعرة باطل إجماعا، غير صحيح.
بل إن مراد المعتزلة وغيرهم من المبتدعة في حججهم ظاهر بين، لا يحتاج إلى مزيد إيضاح، وهو كفر وردة عن الإسلام، ومحادة له، فإن أبى إلا قوله فليبين لنا مراد قومه المعتزلة من حججهم التي لم يفهمها السلف.
وكتب السلف رحمهم الله ومن بعدهم بين أيدينا، وأقوالهم - وهي لا تحصى - مدونة عندنا، تدل على معرفتهم التامة بحجج المخالفين ومرادهم.