فإذا جاز طلب البرهان من المخالف على أن لله شريكا فمن باب أولى جواز طلب البراهين على أمور أقل أهمية، كالتي تختلف فيها الطوائف الإسلامية من قضايا الإيمانيات أو الأحكام.
والجدل المذموم إنما هو الجدل الذي لا يطلب صاحبه الحقيقة، وإنما يريد المغالبة والمكابرة، أما إن أعلن الطرف الآخر أنه يريد الحق، وجعل البحث العلمي هو السبيل الأمثل لحل المسائل المختلف فيها فقد أنصف، وتجب أو تستحب محاورته ومجادلته) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن المعتزلة كانت ذليلة منبوذة، لا يسمع لهم، ولا يجلس إليهم، لا من العامة، ولا من الخاصة، لا في عهد الإمام أحمد رحمه الله، ولا في عهد من قبله من التابعين وأتباعهم.
وكان الظهور والسواد والمحبة والأتباع والنصرة لأهل السنة، لذا لم يتمكن المعتزلة من نشر ضلالهم إلا بسيف المأمون، وحمل الناس عليه قسرا، فقتل العلماء - قتله الله - وأضل العامة، فأين البحث العلمي والمناظرة والحوار المراد منه الحق؟
ومع ذلك كله، وتعاقب ثلاثة خلفاء عليه، لم يتمكن المعتزلة من نشر ضلالهم، ولا ترويج بدعهم، وما إن انتهت المحنة إلا وعاد الناس لحضور مجالس علمائهم المتبعين الصادقين، ومنابذة المعتزلة المبتدعة