ومن كفروه أو ضللوه لقول قاله، فكل من قال ذلك عندهم: ضال هالك، لا تتبدل أحكامهم بتبدل حكامهم، ولا تغير فتاواهم تغير أيامهم وأعوامهم. قولهم ثابت، وحكمهم ماض، إن جلدوا فهم عليه، وإن قتلوا فمصيرهم إلا الله تعالى ليس إليه.
أو لم يجلد أحمد، ليقول ما لا يحمد، فما تزعزع قوله، ولا خالف حكم الله وما جاء به رسوله، بل كان شامخا كالجبل، ثابتا على الحق الذي أوتيه، كالأنبياء والرسل، حتى عادت السنة، وسلمت الأمة، وارتفعت عن الإسلام وأئمته الغمة. فلله درهم، لا تفارق خشية الله قلوبهم، ولم تجف من وجلهم عيونهم، رحماء بالمؤمنين، هداة قداة للمتبعين، حتى إذا كاد المبطلون للدين، وأرادوا حماه الحصين، هبوا لنصرته أشداء قاسين، لا يعرف الضعف إليهم مسلكا، ولا الوهن منهم موضعا، وصدق الله -وهو أصدق القائلين- حين وصف محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح: ٢٩] .
فكل من أبغض أئمة الإسلام الأبرار: كان نصيبه من هذه الآية {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح: ٢٩] .