وجادلوا النبي -عليه الصلاة والسلام- في نبوة عيسى -عليه السلام- كما جادلوه في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، وجادلوه كذلك بقصد إحراجه -عليه الصلاة والسلام- في الروح، وسألوه عن ذي القرنين، وسألوه عن الجنازة هل تتكلم، وعن طعام أهل الجنة وشرابهم، كما سألوه عن الله -عز وجل- عن ذاته ووحدانيته، وتطاولوا على الله -عز وجل- في سؤالهم حتى أغضبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل جبريل ليهدئ من روعه، وكانوا يؤذونه -عليه الصلاة والسلام- بكل أنواع الأذى فهم إذا أرادوا السلام عليه قالوا: السام عليك يا محمد أي: الموت، وإذا جالسوه قالوا: يا محمد راعنًا، يا محمد يريدون الرعونة، ولا يريدون الرعاية، كما حكى القرآن عنهم:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}(النساء: ٤٦).
ووصل تطاولهم إلى الذات الإلهية، كما جاء في الحديث الصحيح أنه أتى رهط من يهود إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا:((يا محمد، هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال: فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى امتقع لونه -أي: تغير - ثم ساورهم - أي: باطشهم غضبًا لربه - قال فجاء جبريل -عليه السلام- فسكنه، فقال: خفض عليك يا محمد)) وجاء من الله تعالى بجواب ما سألوا عنه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}(الإخلاص: ١ - ٤).