قال: فلما تلاها عليهم قالوا: فصف لنا يا محمد كيف خلقه، كيف ذراعه، كيف عضده؟ فغضب -صلى الله عليه وسلم- أشد من غضبه الأول وساورهم، فأتاه جبريل -عليه السلام- وقال له مثلما قال أول مرة، وجاء من الله تعالى بجواب ما سألوه قوله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(الزمر: ٦٧).
فهذه بعض النماذج من أسئلة متعنتة التي وجهها اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقصد مضايقته، وإظهاره بمظهر العاجز عن إجابة أسئلتهم، ولقد خابوا فيما سلكوه، ولم يصلوا إلى ما أراوده فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يجيبهم بما يخرس ألسنتهم، ويردهم على أعقابهم خاسرين، ومع ذلك كذبوه وكفروا برسالته.
ولم يكتفوا بهذا، فحين عجزوا في هذا الجانب حاولوا الدس والوقيعة وإثارة الفتنة بين المؤمنين ورد المسلمين عن دينهم بطريق الخداع والتلبيس والتدليس، وتلاعبهم بأحكام الله تعالى، ومحاولة فتنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند تقاضيهم إليه قائلين:{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ}(المائدة: ٤١) يعني: ما كان عندكم في التوراة: {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}(المائدة: ٤١) في قضية الرجم، وتحالفوا مع المنافقين ضد المسلمين بل منهم نشأ النفاق، وإليهم يعود حتى قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: ٥١، ٥٢).
وإمعانًا منهم في تكذيب النبي -عليه الصلاة والسلام- تحالفوا مع المشركين، وشهدوا لهم بأنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلا كما سجلت سورة النساء هذا الموقف المخزي على