ثم هو مع ذلك نبي الملاحم ورسول محارب، لا يضعف ولا يُغلَب، وهو نور الله الذي لا ينطفئ، يحيي القلوب الغلف، ويثبت الحجة، ويقطع به المعذرة، به يسود الدين وتكتمل الشريعة التي جاء بها في عهده، لا من بعده، ويعصمه الله من الناس، فلا يتمكن منه أعداؤه، يقود الناس إلى الحق يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن مكانهم الذي هم فيه إلى العالم مستنيرين أقوياء.
وهذا النبي يسكن الصحراء التي سكنها قيدار بن إسماعيل -الابن الثاني لإسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام- ولذلك فلتفرح تلك البلاد ترفع صوتها كما يتغنى سكان سالع أصحاب ثنيات الوداع جبل بالمدينة، ومن رءوس الجبال يهتفون بالتسبيح والتكبير والتلبية، وتمجيد الله -عز وجل- وكذلك في الجزر والصحراء.
ومع هذا فهم أصحاب حروب وجهاد؛ يقودهم هذا النبي رجل الحرب، قد وعده الله بالنصر قذف الرعب في قلوب أعدائه قبل الوصول إليهم، وهو معنى:((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وأعداؤه منهزمون عبدة أوثان منحوتة، وأصحاب أصنام مسبوكة، يزعمون ألوهيتها، وقد جاءهم نبي البر بالشريعة السمحاء؛ فعظمها وكرمها، وقد أحبه ربه وسر به وفضله.
هذا؛ وقد أُرسِل في شعب ضعيف متخلف، طعمة لكل آكل، نهبة لكل سالب، يتخطفون من الأرض، ولا ينقذون أنفسهم، ولا يستطيعون رد الاعتداء عليهم؛ فحبسوا أنفسهم، واختبئوا حتى مَنَّ الله -عز وجل- عليهم بهذا النبي العظيم -صلوات الله وسلامه عليه.
فهل بعد هذا من وضوح في البشارة؟! من له أذنان للسمع فليسمع!.