ولكن ما هو الرأي الأرجح في تفسير نشأة الدين الصيني؟
الأرجح هو الرأي الثاني؛ جَرْيًا على ما سلمنا به، وسرنا عليه، وهو أنه ما من أمة إلا وأرسل الله لها مَن يبلغها بدينه، ويهديها إلى الحق والصواب. وإن الصين أمة كبيرة يبلغ عدد سكانها ربع العالم، ولا بد أن يُبعث فيهم رسول يدعوهم إلى الدين الصحيح. ومع الترجيح لهذا الرأي لا نسلم بأن "كنفشيوس" كان رسولًا مبعوثًا من قبل الله تعالى؛ لأن الكتب الإلهية تحدثت عن الرسل وصفاتهم ومعجزاتهم ودعواتهم، وليس "كنفشيوس" على نمطهم، لقد دَعَا إلى الإيمان بالأديان الصينية القديمة مع ما فيها من خرافات وأساطير، وأقصى ما يمكن التسليم به هو أن "كنفشيوس" أحد المؤمنين برسالة سماوية سابقة، وأنه التزم بالدعوة إلى بعض جوانبها التي تحمس لها وتصور صلاحيتها لأمته.
إن الأديان السماوية لا تمنع وجود رسالات إلهية في الصين، فلقد أخبر الله تعالى أن الرسل ورسالاتهم لم يُذكروا جميعًا على وجه الحصر، فمنهم من ورد ذكره وجاءت قصته، منهم من سكت الله عنه ولم ينزل في شأنه قرآنًا هم الجم الغفير من رسل الله تعالى، وفي نفس الوقت وضع قاعدةً تقوم على العدل الإلهي المطلق، وهي أن الرسل جاءوا إلى جميع الأمم على وجه الحصر؛ لأن الإنسان بلا رسول لا يصل إلى الحق وحده، وما دام الإنسان مسئولًا ومحاسبًا بعد الموت ليعيش في النعيم المقيم أو الشقاء الدائم، ما دام الأمر كذلك، فإن العدل يقتضي إرسال الرسل إلى جميع البشر، وهذا ما أخبر الله عنه في القرآن الكريم، حيث قال -سبحانه وتعالى-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}(الإسراء: ١٥) وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا}(النحل: ٣٦).