ولادته، وفي حالة الحمل به، ولما وُلد زرادشت أخذ يدعو إلى الدين الذي أرسل به، وينهى الناس عن الأوثان والشيطان، ولكن الناس في البداية صدوه وأعرضوا عنه، فاشتكى لربه أهورمزدا "الإله الأعظم"، وبذا يقول الشهرستاني: "وكان دين زرادشت عبادة الله والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما كانت دعوة زرادشت تقوم على ذلك وعلى توحيد الله -عز وجل- ذهب بعض العلماء أنه كان نبيَّا مرسلًا من الله لأهل فارس ووصل بهم الأمر إلى أن قالوا: إن زرادشت هو إبراهيم -عليه السلام-، وهذا قول باطل مردود، وإن كان ما ورد عنه -إن صح- لا يحول دون نبوته ورسالته، والله أعلم.
وهناك المانوية والمازدكية من ديانات الفرس المعروفة أيضًا كما أشرنا، مما يؤكد على تطور العقيدة الزرادشتية على يد البشر، فواضح أن الديانة الزرادشتية كانت في أصلها ديانة توحيد منزهٍ خالص دُعي إليها في وقت كانت فيه المجوسية تقول بأصلين أو مبدأين أو خالقين، وكان الوثنيون يعبدون الكواكب والأصنام، ولا ريب أن للزرادشتية مرجعًا من الوحي:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}(فاطر: ٢٤) فما يستطيع التطور الفكري أن يصل إلى التوحيد الحقيقي المنزه بدون معونة من الوحي أو اقتباس من ديانة موحى بها.
وواضح أن ديانة إبراهيم قد سبقت الزرادشتية بحوالي عشرة قرون، فلا مانع من أن تكون الزرادشتية مقتبسة منها أو منقولة عنها، فلما تدخل الفكر البشري الخالص مدفوعًا بطبيعة البشر العنصرية المادية الأنانية الغريزية العاجزة- أصيبت الزرادشتية بكثيرٍ من التحريف والتبديل، وأصبحت ديانة الشرك، يعتقد أتباعها بوجود إلهين أحدهما أهورامزدا، ويجعلونه إلهًا للخير، والآخر أهريمان ويجعلونه إلهًا للشر، ويرتبون على هذا الاعتقاد صراعا دائما بينهما؛ لأن كل منهما يرمي