هذه هي الحقيقة يؤيدها الواقع المادي للأمم والحضارات كما رأينا، وكما يتضح هذا من تغير الديانة الزرادشتية إلى ديانة مانوية أو مازدكية، فهذه المانوية التي ظهرت على يد ماني بن فاتك الحكيم، وذلك بعد اضمحلال المسيحية أي: بعد ظهور دين سماوي صحيح، تعرّض للتحريف ودخلته الأهواء البشرية، وتنازعته الأغراض الدنيوية، فكان ماني أو مانو يقول بنبوة المسيح -عليه السلام- ولكنه أدخل مع هذا القول تلك النزعة التي كثيرًا ما تصيب عباد القديم، فعاد إلى مجوسية الفرس القديمة، واقتبس منها القول بأن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين؛ أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم.
ثم اختلفت المانوية في مرجع الخير والشر، ومدى ارتباطهما بالنور والظلام، ثمّ كانت المازدكية امتدادا للمانوية، وصورة جديدة للتدخل البشري، وكيفية خضوع البشر لأهوائهم وأغراضهم الدنيوية، فكان مازدك يقول بالأصلين، لكنه ادعى أن النور يعمل بالقصد والاختيار، أما الظلام فيعمل بالصدفة والاتفاق، وأن النور بهذا يكون عالمًا حساسًا، بعكس الظلام الذي يصير جاهلًا لا يدرك ولا يحس ولا يرى، ويترتب على كل هذا أن المزاج يعمل هو الآخر بالصدفة والاتفاق، ولا يعرف قصدًا ولا اختيارًا، وكذلك النجاة والخلاص يقعان بالصدفة والاتفاق لا بالاختيار، وكان مازدك يحرص في اعتقاده على تعاون الناس واتفاقهم، كما يحرص على تحقيق الحب والمودة في حياتهم، وراح يضع خطةً لتحقيق ما يحرص عليه، فوضع أوامره العامة ومنهياته في: