أما رؤياه لما يُحقق ذلك، فقد حددته في أسباب ما يراه يوقع المخالفة والمباغضة أو المقاتلة، وهي النساء والأموال، فأحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركاء فيهما كاشتراكهم في الماء والهواء والكلأ والنار، وحكي عنه أنه أمر بقتل النفس -أي: الانتحار- لتخلص من الشرّ ومزاج الظلمة، العقيدة عند مازدك برؤية العبيد قاصرة، وبعقلية البشر المستقلة العاجزة، كان مازدك يعتقد أن معبوده يجلس على كرسيه في العالم العلوي، ثم يصور نفسه ولأتباعه هذه الجلسة بصورة الملك أو القيصر أو الإمبرطور في العالم السفلي، ويقرّب الصورة أكثر فيذكر خسروبزى، وبين يديه أربعة أشخاص، وكذلك إله مازداك بين يديه أربع قوى؛ قوة التمييز، وقوة الفهم، وقوة الحفظ وقوة العلم، وهذا العدد هنا يدبر أمر العالم بسبعة من ورائهم، وهذه السبعة تدور في اثني عشر ... إلى أخر هذا الكلام.
وكل إنسان تجتمع له هذه القوى الأربع، والسبع والاثنى عشر تصير ربانيًّا في العالم السفلي ويرفع عنه التكليف، وهكذا لا يزال العقل الإنساني يسبح وراء خيالات وأوهام يبنيها على أساس أو على غير أساس، حتى ينحرف عن الحقيقة أو يحرّفها أو يتلفها ويفسدها، وهكذا كان مازدك والمازدكية، وما تفرع عنها من فرق شملت بلاد فارس ونواحيها، وما تفرع للقول بالأصلين النور والظلمة وقدرتهما نفيًا وإثباتًا، قصدًا واختيارًا، أو طبعًا واضطرارًا،