ثم رسم لهم الخيال صورًا لآلهتهم الكثيرة عللوا بها سر الكائنات، وما يقع لها من أحداث، فما سطع نجم، ولا تجمعت سحابة، ولا هبت نسمة إلا وصور لهم خيالهم وراءها إلهًا موكّلا بها، وقد عبروا عن كل هذا بتماثيل ورسوم أوحى بها خيالهم أيضًا، فالموكل بالليل عندهم إله في صورة امرأة متراخية الأعضاء يداعب النعاس جفونها، وفي يدها مشعل مقلوب ويكسوها رداء قد زُين بالنجوم، وكان يعتقدون أن كبار آلهتهم يقيمون فوق جبال الإلمب أو أولمبس، وأن كبيرهم زيوس له فوقه قصرٌ وعرش، وأن من حوله أحد عشر من كبار الآلهة يدينون له بالطاعة، وينفذون أوامره ونواهيه، وكانوا يتصورون أرباب الألمب يقترفون ما يقترفه البشر من آثام، ويجرون وراء شهواتهم الشرهة.
فمثلًا قتل زيوس أباه رينوس وضاجع بنته، وهاجر سماءه؛ ليطارد عرائس البحر، ويغازل بنات الرعاة في الفلوات، وغار من ذرية الإنسان فأضمر له الشر والهلاك، وضنّ عليهم بسر النار، وعاقب المارد برموسيتوس؛ لأنه أتى للإنسان بقبس من النار من السماء، ولم يستطع خياله حتى ذلك الحين تصور الإله زيوس خالقًا للدنيا وخالقا للأرباب التي تحيطه بعرش في جبل الإلمب، فهو على الأكثر والد لبعضها، ومنافس لأنداده منها، وتعوذه أحيانًا رحمة الآباء ونبل العداوة بين الأنداد، فتصيبه بدلًا منها القوة والعذر، يتصورون القدر فوق الجميع حتى زيوس نفسه يخضع لهذا القدر، ويتقيد بقيوده ويعجز عن الفكاك مما يقضيه.
وإليك صورة مفصلة بعض الشيء عن بعض الآلهة نذكرها فيما يلي:
١ - زيوس: كان زيوس حسب اعتقاد اليونانيين القدامى ابن بكرونس، أو إله الزمن ولترا آلهة الأرض، كان أبوه قاسيًا يخشى على سلطانه حتى من أبنائه، كان يقتل من يولد له، فقررت أمه إبعاده عنه، فوكّلت إلى بعض الرعاة رعايته