وكان هذا التقليد وبالًا على الأقوام يمنعهم من التفكير الصحيح، ويحول بينهم وبين اتباع الرسل كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}(الزخرف: ٢٣، ٢٤).
وهذا الذي حدا بهم إلى ترك الحق واختيار الباطل، وهو سبب آخر من أسباب الانحراف عن الدين نسميه إيثار العمى على الهدى.
رابعًا: إيثار العمى على الهدى فمن الأسباب التي أضلت الناس، وأخرجتهم عن منهج الحق أنهم آثروا العمى على الهدى، واستحبوا الظلام على النور؛ فكان أن كافأهم الله، فأصمهم وأعمى أبصارهم، بمقتدى نظامه في ارتباط الأسباب بمسبباتها. قال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(الأعراف: ١٧٩).
فهؤلاء أهملوا منافذ العلم والعرفان، وعطلوها عما خلقت له، فلم يصل إليها نور الحق؛ فقلوبهم غلف لا تعقل عن الله وحيه، وعيونهم عمي لا ترى الله في ملكوته، وآذانهم صم لا تسمع آيات الله؛ فهم مثل الأنعام التي لا تنتفع بحواسها الظاهرة والباطنة، بل أضل من الأنعام؛ إذ الأنعام لم تزود بما زود به الإنسان من قوى نفسية وعقلية وروحية، كما أنها لم تكلف بما كلف به الإنسان، بل سخرت له فامتثلت وأطاعت.
خامسًا: من أسباب الانحراف عن الدين الاعتذار بالقضاء والقدر؛ فقديمًا اعتذر المشركون عن شركهم بأنهم مجبورون بمشيئة الله على شركهم، فأنكر الله عليهم، وأعلمهم أن حجته عليهم قائمة بما منحهم من عقل، وأرسل الله من رسل، قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ