للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا هذا الثاني إن فُرِض أنه مربوبٌ أيضًا.

إذن فالربُّ الحقيقي هو الذي ليس فوقه رب، فهو الله عز وجل، فإن فُرِض أن مِن دونه مدبرًا، فلا يخلو أن يكون عمله إنما هو تنفيذ ما أمره الله عز وجل به، أو يتصرف بهواه وإرادته.

إن كان الأول فهو عبد لا رب، وإن كان الثاني فلا يخلو أن يكون تدبيره بغير إذن الله عز وجل أو بإذنه. الأولُ مُحالٌ كما تقدم في الكلام على إبليس (١)، وأما الثاني فلا يخلو أن يكون أَذِنَ الله عز وجل له لعلمه أنه لا يفعل إلا ما يحبه الله ويرضاه، أو أَذِنَ له مع علمه بأنه يفعل ما لا يحبه الله ولا يرضاه.

فالأول عبد لا رب، وأما الثاني فلا يخلو أن يكون الله عز وجل مراقبًا له، فإذا أراد أن يفعل ما لا يحبه الله عز وجل منعه وحالَ بينه وبين الفعل، أو أن يكون مهملًا له، فالأول عبد لا رب، وأما الثاني فلا يخلو أن يكون تصرفه المُخَلّى بينه وبينه واسعًا بما فيه تدبير الأمور [ص ٤١] العظيمة، كتسيير الشمس والقمر، وإرسال الرياح، وغير ذلك من الأمور العظيمة، أو يكون جزئيًّا لا يؤدي إلى فساد النظام المُشاهد.

فالأول باطل لما مرَّ في الكلام على إبليس (٢)، وأما الثاني فلا يخلو أن يكون الله عز وجل أذن له لغير حكمة أو لحكمة.

الأول باطل؛ إذ قد ثبت بالأدلة التي ثبت بها وجود الرب عز وجل أنه


(١) (ص ٧٩).
(٢) الموضع نفسه.