للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اكتُشِفَت في مصر، وكلام المحققين من أهل العلم: أن فرعون وقومه كانوا يعترفون بوجود رب العالمين، وإنما كان أوائلهم قالوا: إن ربّ العالمين بغاية العَظَمة، والبشر بغايةٍ من الضعف والحقارة، فليس لهم لذلك أن يرفعوا أنفسهم إلى التصدِّي لعبادة رب العالمين، فإن ذلك يُعَدّ سوء أدب وانتهاك حُرْمة، كما لو قام جماعة من كنَّاسي المراحيض فقالوا: نذهب لنسلم على السلطان. قالوا هذا مع أنَّ ما بين السلطان والكنَّاسين قريب؛ لأن الفرق الذي بينه وبينهم عارض، فأما بين ربّ العالمين وبين البشر فالفرق عظيم جدًّا.

قالوا: وكما أن بين السلطان وبين كنَّاسي المراحيض وسائط، حقُّ كناسي المراحيض أن يرفعوا حوائجهم إلى أقرب الوسائط إليهم، ثم ذلك الواسطة يرفع (١) أمره إلى من فوقه، وهكذا حتى ينتهي إلى المَلِك.

فبين البشر وبين رب العالمين واسطة هم الملائكة، فحقُّ البشر أن يعبدوا الملائكة، ويرفعوا حوائجهم إليهم، وأما عبادة رب العالمين فهي حق للملائكة، حتى جاء فرعون فزاد ــ كما يقال ــ في الطُّنْبور نَغْمة، كأنه بعد أن تملَّك جمع أكابر قومه، وقرَّرهم بتلك العقيدة، ثم قال لهم: كما أن البشر ليس لهم أن يعبدوا رب العالمين لانحطاط درجتهم، فكذلك ينبغي أن يُتَوقَّف في عبادتهم للملائكة؛ لأن (٢) درجة الملائكة وإن كانت مُنْحطّة عن درجة رب العالمين فهي بعيدة في العلو والعظمة عن درجة البشر.

فكأنهم قالوا: وكيف نصنع؟ لا بدّ لنا من العبادة!


(١) الأصل: "يرفعه" سبق قلم، والصواب ما أثبت.
(٢) الأصل: "لا"، سهو.