للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى حد التعرية، والذي يسيء الظن بعقله وذكائه، وإنما يجد متعة نفسه حيث يتحرك حسه وينشط، ليستوضح ويتبين، ويكشف الأسرار والمعاني وراء الإيحاءات والرموز، وحين يدرك مراده، ويقع على طلبته من المعانى يكون ذلك أمكن في نفسه، وأملك لها من المعاني التي يجدها مبذولة في حاق اللفظ، وهذا هو ما نجده وراء قول عبد القاهر.

"إنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الأفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما يكون بيانا إذا لم تبن"، وتأمل هذا النص؛ لأنه من الكلام النادر الذي ذهب من يحسنونه.

ويدور القول في الحذف على ثلاثة محاور رئيسة:

الأول: القول في حذف جزء الجملة.

الثاني: القول في حذف الجملة.

الثالث: القول في حذف أكثر من جملة.

وقد درس البلاغيون حذف جزء الجملة في باب المسند إليه، والمسند ومتعلقات الفعل، كما درسوا حذف الجملة وأكثر منها في باب الإيجاز بالحذف، ولم يلتفتوا إلى حذف جزء الكلمة، وإن كان فيه من الإشارات ما يوجب على المشتغل بأسرار اللغة، وبلاغتها أن ينبه إليها، وخاصة أننا نجد في إشارات علمائنا السابقين ما يلمس الجان بالبلاغي في هذا النوع من الحذف، فهم يقولون مثلا في سبب الترخيم في قراءة: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ١ -: قالوا: إنهم لشدة ما هم فيه عجزوا عن تمام الكلام، وهذه علة بلاغية؛ لأنها تشير إلى ما وراء هذا الحذف من ضيق الصدر، وغلبة


١ الزخرف: ٧٧.
والمراد حذف الكاف من مالك، والتخريم هو حذف آخر المنادى، قال ابن مالك:
تخريما احذف آخر المنادى ... كيا سعا فيمن دعا سعاد

<<  <   >  >>