والبلاغيون يقولون: إن الأصل في العبارة كما يقتضي العقل، والإعراب أن يذكر فيها المسند إليه؛ لأنه الجزء الأهم الذي تنسب إليه الأحداث، والصفات في الجملة، ولا يحذف إلا إذا كان هناك داع من الدواعي التي ذكرنا صورا منها، فالأصل أن يذكر إذا لم يكن هناك مقتضى للعدول.
وكذلك يذكرون من أغراض الذكر، الاحتياط لضعف التعويل على القرينة أي أن هناك قرينة تدل على المسند إليه لو حذف، ولكن هذه القرينة ليست كاشفة مبنية، ويخشى المتكلم إن هو عول عليها أن يلتبس المراد على السامع، وهذا نجده كثيرًا في الكتب العلمية التي تشرح القضايا، وتعني بكشف جوانبها.
وقالوا: إنه يذكر للإشارة إلى غباوة السامع، وأنه لا يفهم إلا ما تنص عليه الألفاظ؛ لأن في الحذف تعويلا على ذكاء السامع، وقدرته على الانتفاع بالسياق والقرائن.
والمهم في موضوع ذكر المسند إليه هو الرغبة في التقرير والإيضاح، فإن هناك بعض المعاني تكون أشد علقة بالنفس، فيحرص المتكلم على إبرازها وإشاعتها في جو كلامه، انظر إلى قول البحتري يخاطب صاحبته:"من الكامل".
أصفيك أقصى الود غير مقلل ... إن كان أقصى الود عندك ينفع
فأقصى الود كلمة يتصل معناها بأهم ما يجده الشاعر من الكلف، والولوع بصاحبته فكررها، وأشاعها وكان يمكنه الاكتفاء بضميرها.
وانظر إلى قول مالك بن الريب في قصيدته التي قالها حين استشعر دنو الأجل، وهو في خراسان قال:"من الطويل"
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا