الشعر أي أنه ليس من الكلمات الشعرية لطبيعة دلالته المحددة، والتي لا تنقاد بسهولة للتلوين والتظليل، أقول: إن هذه الأبيات مع هذا، وذاك لها قوتها وتأثيرها، واسم الإشارة في كل موقع من مواقعه يميز المشار إليه أكمل تمييز لتضاف إليه هذه الأوصاف العظام، ويزيد الإشارة هنا قوة أن هشامًا يتجاهله، فكان الشاعر يعارض هذا التجاهل بهذا الفيض من الإشارات التي تؤكد ذيوع مناقبه، ومعالم مآثره، وتأمل قوله: يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم"، فإنه من القول النادر، وقد بلغ فيه الفرزدق غاية ما يبلغه شاعر بكلمة، فركن الخطيم يكاد يقبض على هذه اليد الكريمة شوقا إليه، وتقديرًا لعوارفها فكيف تنكر أو تجهل؟
وتمييز المسند إليه باسم الإشارة ليتقرر الحكم له، من الأساليب الشائعة في الكتاب العزيز، ونعتقد أن الاستشهاد على ذلك تكلف لقوة ظهوره، ولكني أذكر صورة واحدة لتهدي إلى غيرها، أقرأ قول تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} ١.
تجد اسم الإشارة يميز في الأولى الذين ثقلت موازينهم ليتقرر الحكم عليهم بأنهم مفلحون، وفي الثانية يميز الذين خفت موازينهم ليتقرر الحكم عليهم بأنهم خسروا أنفسهم، وقد ذكرنا مثل هذا في ذكر المسند إليه، كما أن هذه الآية تصلح شاهدًا لذكر المسند إليه، وقد قلنا هناك: إن المسند إليه كان من الممكن أن يدل الكلام عليه لو حذف، ولكنه ذكر لزيادة التقرير والإيضاح، والذي نقوله في قيمة تعريفه باسم الإشارة لا يخرج عن هذا أي أن ذكره باسم الإشارة ليتقرر الحكم عليه لما في الإشارة من التمييز والوضوح، فالتقرير هناك كان سببه الذكر، والتقرير هنا سببه خصوصية في المذكور، فمثل هذا الأسلوب، ومنه أبيات الفرزدق يبحث فيه عن غرض ذكر المسند إليه،