للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقوله: وما كل أسياف الرجال حسام، أفاد: أن بعض الأسياف تقطع وبعضها ليس كذلك، ولو قال البحتري: كل الرجال ليس مشيعا، ولك الأسياف ليست حساما، لأفاد نفي الشجاعة عن كل رجل، ونفي الجودة عن كل سيف.

هذا كله كما قلنا ملخص كلام عبد القاهر، وقد أيدته كما رأينا الاستعمالات البليغة، ولكن التعميم في القاعدة من غير احتياط يفتح غالبا بابا من أبواب الاعتراض لا تجد له مدافعًا، قال عبد القاهر وهو يحدد الفروق المعنوية بين مختلف هذه التراكيب: "إذا تأملنا وجدنا إعمال الفعل في كل، والفعل منفي لاي صلح أن يكون إلا حيث يراد أن بعضا كان وبعضا لم يكن"، فوضع القاعدة وضاعا قاطعا من غير أن يحتاط لما عساه يكون قد جاء في الكلام البليغ على خلافه، فهيأ بذلك للعلامة سعد الدين أن يستدرك عليه بشواهد واضحة، قال سعد الدين معلقا على هذه القاعدة: وفيه نظر؛ لأنا نجده حيث لا يصلح أن يتعلق الفعل ببعض، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} ١، و {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} ٢، و {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} ٣، "فالحق أن هذا الحكم أكثري لا كلي"، فحرر القاعدة لما جعلها غالبة لا لازمة؛ لأن الآيات التي ذكرها -ومثلها في القرآن- تقدم فيها النفي على كل وهذا يعني - لو سلمت القاعدة- أن الله سبحانه لا يكره كل مختال، وإنما يكره البعض ومثله كل كفار وهو ما لا يكون.

ولا يفوتك هنا أن تتأمل أدب أهل العلم، لما وجد سعد الدين -وهو من سعة علم ونفوذ رأي- خرما في قاعدة عبد القاهر لم يزد على أن قال:


١ الجديد: ٢٣.
٢ البقرة: ٢٧٦.
٣ القلم: ١٠.

<<  <   >  >>