والشواهد التي تقرر هذا الأصل عند عبد القاهر كثيرة منها قول الشاعر "من الطويل"
فكيف وكل ليس يعدو حمامه ... ولا لامرئ عما قضى الله مزحل
فقوله: وكل ليس يعدو حمامه، خرحجت فيه كل عن حيز النفي، فأفادت عموم النفي، أي أن كل واحد لا يعدو حمامه، ولو قال: وليس كل يعدو حمامه لأفاد أن بعض الناس يعدو حمامه.
وقول دعبل:"من الطويل"
فوالله ما أدري بأي سهامها ... رمتني وكل عندنا ليس بالمكدي
أبالجيد أم مجرى الوشاح وإنني ... لأنهم عينيها مع الفاحم الجعد
فقوله:"وكل عندنا ليس بالمكدى" يعني: أن كل محاسنها كالسهام التي تصمى وتصيب، ولو قال: وليس كل عندنا بالمكدى لأفاد أن بعض محاسنها لا تصل في فعلها فيه إلى الغاية، فبعضها كالسهام الصائبة، وبعضها كالسهام الطائشة.
وعكس هذين الشاهدين قول البحتري يمدح يعقوب بن أحمد في قصديته:"من الطويل"
على الحي سرنا عنهم وأقاموا ... سلام وهل يدني البعيد سلام
قال فيها:
واعلم ما كل الرجال مشيع ... وما كل أسياف الرجال حسام
والرجل المشيع هو الشجاع الصعب المتهور الذي كأنه يشيع قلبه، قال: ما كل الرجال مشيع، أي أن هناك رجالا فيهم أصالة الشجاعة والإقدام، وهناك من ليس كذلك، هناك الرجال الأحرار، وهناك العبيد الأندال....