للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولذلك يمكن أن يقول بعد ذلك: وإنما جاءوك فرادى، ولو كان النفي في قوله: لم يأتك القوم مجتمعين، نفيا منصبا على المجيء لما صح أن يقول عقبه: وإنما جاءوك فرادى، والحال كذلك في كل، تقول: جاءني القوم كلهم، فيقول من يعارضك: لم يأتك القوم كلهم وإنما جاءك بعضهم، كما قال البحتري "من الطويل"

وما كل ما بلغتم صدق قائل ... وفي البعض إزراء علي وعاب

هو لا يريد أن ينفي الصدق عن كل خبر بلغهم، وإنما يريد أن ينفي أن تكون كلها صادقة، وهذا يعني أن بعضها صادق، ولذلك قال في الشطر الثاني: وفي البعض إزراء علي وعاب، فهو يسلم أن البعض ليس فيه إزراء عليه، ولو قال: كل ما بلغكم ليس صدقا لما صح أن يقول: وفي البعض وإنما كان يقول: وفي الكل، وكذلك لو قال: كل القوم لم يأتوك، لم يصح أن يقول بعدها: وإنما جاءك بعضهم؛ لأنه لما قدم كل على النفي أفاد عموم النفي، وأنه لم يأتك منهم أحد، فلا يصح أن يقول: وإنما أتاك بعضهم؛ لأن في ذلك تناقضًا.

وقد ذكر عبد القاهر كل هذا في قوله:

"واعلم أنك إذا نظرت وجدت الإثبات كالنفي فيما ذكرت لك، ووجدت النفي قد احتذاه فيه وتبعه، وذلك أنك إذا قلت: جاءني القوم كلهم كان "كل" فائدة خبرك هذا، والذي يتوجه إليه إثباتك بدلالة أن المعنى على أن الشك لم يقع في نفس المجيء أنه كان من القوم على الجملة، وإنما وقع في شموله الكل، وذلك الذي عناك أمره من كلامك".

وجملة الأمر أنه ما من كلام كان فيه أمر زائد على مجرد إثبات المعنى للشيء إلا كان الغرض الخاص من الكلام، والذي يقصد إليه، ويزجي القول فيه، فإذا قلت: جاءني زيد راكبًا، وما جاءني زيد راكبًا كنت قد وضعت كلامك؛ لأنك تثبت مجيئه راكبا أو تنفي ذلك لا، لأن تثبت المجيء وتنفيه مطلقا هذا ما لا سبيل إلى الشك فيه".

<<  <   >  >>