للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما سمعت، وهذا لا يمنع أن تكون كتبت بعضه، أما التعبير الثاني فإنه يفيد أنك لم تكتب شيئًا مما سمعت ...

وقول الشاعر: "من البسيط": "ما كل ما يتمنى المرء يدركه"، معناه: أن الإنسان

لا يدرك كل ما يتمناه وإنما يدرك بعضه، ومثله: ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد، وهذا التركيب قد تقع فيه كل سابقة للنفي، ولكنها معمولة للفعل

الواقع بعد النفي مثل أن تقول: كل الدراهم لم أنفق، وكل الشعر لم أحفظ بنصب كل؛ لأنه مفعول به للفعل بعده، وهو يفيد نفس المعنى الذي يفيده قولك: لم أنفق كل الدراهم ولم أحفظ كل الشعر، فإذا رفعت كلا وأخرجتها، عن حكم الفعل بعدها أفاد أنك لم تفعل شيئًا منهما، ولهذا جاء قول أبي النجم: "من الرجز"

قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع

برفع كل؛ لأنه أراد أن يبرئ نفسه من كل ذنب ادعته عليه، والرفع هو الذي يفيد ذلك ولو نصب لكانت كل داخلة في حيز النفي، وحينئذ تفيد نفي العموم أي أنه لم يفعل كل ذنب ادعته عليه، وإنما فعل بعضه، ومعنى قولنا: نفي العموم أن المنفي هو الشمول والعموم أعني الكلية، تقول: لم أفعل كل ذلك،

فتفيد أنك نفيت عن نفسك فعل الجميع، وهذا لا يلزم منه نفي البعض، والتقديم في قول أبي النجم يفيد عموم النفي؛ لأن كلمة كل الدالة على العموم دخلت على النفي، وهذا يعين أنه لا يشذ منه شيء.

وإذا تأملت هذا الأسلوب وجدت حال الإثبات فيه كحال النفي، بيان ذلك أنك حين تقول: جاءني كل القوم أو القوم كلهم كان المغزى من خبرك هو إفادة أن المجيء كان من الجميع كما تقول: جاءني القوم مجتمعين، فالغرض هو أن تفيد مجيئهم مجتمعين لا أن تفيد مجيئهم فحسب، ومثله قولك: جاءني زيد راكبًا، فالقصد هو أن تفيد هيئة مجيئه لا أن تفيد إنه جاءك فحسب، فإذا عارضك معارض في خبرك هذا، وقال لك: لم يأتك القوم مجتمعين كان قصده حينئذ نفي الاجتماع في المجيء لا نفي المجيء،

<<  <   >  >>