للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العين يجري فيه الدمع ولم يقصد الشاعر أن يعرض بإنسان آخر ليس على صفة المخاطب في الصبر والثبات.

ومثله قول القبعثري الشيباني للحجاج لما قال له: لأحملنك على الأدهم، يريد القيد قال له: "مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب"، وأراد أنت حمل على الفرس الأدهم والأشهب، فقوله: مثل الأمير أراد به الأمير، ولم يرد أن يعرض بآخر لا يفعل فعله.

وفي "غير" جاء قوله: "من البسيط"

غيري بأكثر هذا الناس ينخدع

أراد أنا لا أنخذع، ولم يقصد التعريض بشخص آخر ينخدع.

ومثله قول أبي تمام: "من الوافر"

وغيري يأكل المعروف سحتا

أراد أنا لا آكل المعروف، ولم يرد التعريض بإنسان آخر.

قالوا: وكان التقديم في هذه الأساليب كاللازم؛ لأن التقديم يفيد التقوية كما قلنا، وهذه الاستعمالات من صور الكناية، والكناية يراد بها التوكيد في أداء المعنى، ولهذا كان التقديم أنسب لتتوافق دلالات الخصوصيات، وقد مر بنا ما يشبهه في قوله تعالى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} ١.

ومما يلحق البلاغيون بهذا الباب تقديم النفي على لفظ العموم، وتأخيره عنه، يعني الفرق في المعنى بين أن تقول: لم أكتب كل ما سمعت، وأن تقول: كل ما سمعته لم أكتبه، برفع كل، التعبير الأول يفيد أنك لم تكتب جميع


١ الأعراف: ١٩٦.

<<  <   >  >>