للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد أثيرت مناقشات كثيرة حول هذا الموضوع؛ لأن علماء أهل السنة والجماعة يرون أن الزمخشري يقول بلزوم دلالة هذا التركيب على الاختصاص، وأنه هنا خالف هذه القاعدة ليسلم له ما يعتقده في أمر مرتكب الكبيرة، وهذا خطأ؛ لأنه يقول مثل هذا في آيات كثيرة لا علاقة لها بالاعتزال كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} ١، وقوله تعالى: {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} ٢، وقوله {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} ٣، وغير ذلك كثير وقد بيناه في دراستنا للكشاف.

وهناك كلمتان تلزمان التقديم في التراكيب البليغة إذا أريد بهما الكناية من غير تعريض، هاتان هما: مثل وغيره، ومعنى أن تريد بهما الكناية من غير تعريض أنك حين تقول: مثلك لا يبخل، تكون قد استعملت كلمة مثل كناية عن الشخص الذي تخاطبه؛ لأنك تريد: أنت لا تبخل، فلفظ مثل مراد به الضمير الذي أضيف إليه، ودلالته عليه دلالة التزامية، ولهذا كان كناية، ثم إنك لا تقصد التعريض بشخص آخر، وأن تقول من طرف خفي أنه يبخل ومثله قولك: غيرك يسيء إلى أصحابه، وأنت تريد أن تقول له: أنت لا تسيء إلى أصحابك من غير أن تعرض شخص آخر، وتومئ إلى أنه يسيء.

ومن شواهد هذا الاستعمال قول المتنبي: "من السريع"

مثلك يثني الحزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن غربه

أي أنت قادر على أن تكف الحزن بصبرك وثباتك، فلا تدع النفس تبلغ في أحزانها مداها، وتسترد الدمع عن جريانه، والغرب، كما قالوا: عرق في


١ البقرة: ٨.
٢ الطور: ٢٩.
٣ سورة ق: ٤٥.

<<  <   >  >>