للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يكون له عائد يعود عليه يصيرها إلى حالة من الغموض، والإبهام لا قرار لها معها، فتستشرف إلى اكتشاف الحقيقة المتوارية وراء الغموض المثير، فإذا جاءت الجملة المفسرة تمكن معناها، ووقع في القلب موقع القبول، وتراهم لا يبنون الكلام على هذا الأسلوب إلا في المعاني المهمة التي يهيئون النفوس لتلقيها، وإذا رأيتهم يمثلون له بمثل قولنا: هو زيد قائم أو هي هند قائمة -وإن كانوا يقولون: إن المختار في ضمير القصة ألا يؤنث إلا إذا كان في العبارة مؤنثا لا؛ لأن هذا المؤنث هو مرجعه-؛ لأن مرجعه هو الجملة كلها -ولكن؛ لأن حس الكلمات كأنه ألف ضمير المؤنث مذكورًا فيما فيه تأنيث- إذا رأيتهم يمثلون له بمثل هذه الأمثلة، فاعلم أنها أمثلة نحوية لاتراعى فيها المعاني بقدر ما يراعى فيها بيان الصناعة وشرح القاعدة، وليس من الفصيح أن نقول: هو زيد قائم أو هي هند قائمة؛ لأن الخبر الواقع بعد ضمير الشأن لا بد، وأن يكون خبرًا ذا بال، نعم يصح ذلك إذا كان زيد، أو هند مما يكون خبر قيامه مهما؛ لأن الشأن فيه لا يقوم لمانع يعلمه المخاطب، وأدرت إخباره بزوال هذا، وأن زيدا صار يقوم.

ومن مواقعه الجليلة قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ١، فقوله: هو ضمير الشأن ومفسره الجملة بعده، وواضح أن مضمونها معنى كبير هو محور الصراع في تاريخ البشرية، ولو قال سبحانه: {اللَّهُ أَحَدٌ} لما وجدت للكلام هذا الأثر، وهذا القوة التي تحسها النفس من هذه التهيئة المؤذنة بأن ما سيأتي بعدها كلام له خطر عظيم.

وخذ قوله تعالى بعد ما ذكر قصة المكذبين وإهلاكه القرى وهي ظالمة قال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} ٢، قوله: فإنها ضمير الشأن والقصة، وتفسيره قوله: لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى


١ الإخلاص: ١.
٢ الحج: ٤٦.

<<  <   >  >>