للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اعتبر زيد خبر مبتدأ محذوف؛ لأن فاعل نعم يكون ضميرًا عائدا على مفعول مبهم كالمظهر في نعم الرجل، أي ليس له مدلول معين، وهذا الإبهام تفسيره الجملة المذكورة بعده -هو زيد- فإذا كان المخصوص مبتدأ مؤخرًا، ونعم خبرًا مقدمًا، فلا يدخل في هذا الباب؛ لأن الضمير الفاعل عائد حينئذ على المخصوص.

وقد يأتي الإضمار من غير ذكر مفسر، وذلك اعتمادًا على وضوح المراد وادعاء أنه معروف حاضر في القلب لا يخطر بالبال سواه، كما ترى في مطالع القصائد التي تذكر الصاحبة بضمير عائد عليها مثل قوله: زارت عليها للظلام رواق، وموقعه من الملاحظة والعذوبة على ما ترى، وقد يكون الإضمار خاليا من هذه الإشارة، وإنما اعتمد فيه على مجرد الوضوح فقط كما في قول أبي كبير الهذلي يذكر تأبط شرًا: "من الكامل"

مما حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فشب غير مهبل

أراد في قوله: ما حملن به، النساء، ولم يجر لهن ذكر لوضوح المراد، والمعنى -كما يقول المرزوقي- وهذا الفتى من الفتيان الذي حملت أمهاتهم بهم، وهن غير مستعدات للفراش، ولا واضعات ثياب الحفلة، فنشأ محمودا مرضيا لم يدع عليه بالهبل والثكل.

أما وضع المظهر موضع المضمر، فإنه يشير إلى معان قد يكون بعضها من خصوص دلالة الاسم الظاهر الذي أوثر وضعه موضع المضمر، فإذا كان اسم إشارة أفاد كمال العناية بتميزه؛ لأن الخبر عنه خبر غريب، وذلك كقول ابن الراوندي الزنديق:

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا

ققوله: هذا يعني به مضمون البيت السابق، وهو عجز العاقل في تحصيل رزقه وفلاح الجاهل في تحصيله، اسم الإشارة يعود إلى هذا المضمون، وهو معنى غير محسوس، والمقام للإضمار كما يقول سعد الدين، ولكنه وضع

<<  <   >  >>