للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وواضح من قولهم: بعد التعبير عنه بطريق آخر منها، أنه لا يكون في أول الكلام سواء وافق مقتضى الظاهر أو خالفه، فقول القائل، وهو يعني نفسه: ويحك ما فعلت وما صنعت ليس التفاتا عند الجمهور، وإن كان مقتضى الظاهر أن يقول: ويحي ما فعلت وما صنعت، ومثل هذا كثير في الشعر وخاصة في مطالع القصائد، وهذا يعد التفاتًا عند السكاكي؛ لأنه يعني به أن يعبر بطريق من هذه الطرق عما عبر عنه بغيره، أو كان مقتضى الظاهر أن يعبر عنه بغيره، وهذا القسم الأخير هو ما خالف فيه الجمهور، ويشمل ما ذكرناه من قول القائل: ويحك ما فعلت؛ لأنه عبر عن المتكلم بطريق المخاطب، وكان مقتضى الظاهر أن يعبر عنه بطريق التكلم، ولهذا قالوا: إن كل التفات عند السكاكي التفات عند الجمهور من غير عكس، وهذا واضح إن شاء الله.

والالتفات عند الجمهور يتضمن ست صور:

الأولى: الانتقال من التكلم إلى الخطاب

ومنه قوله تعالى في حكاية مقالة الرجل المؤمن الذي كان يدعو قومه من أهل أنطاكية قال: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ١.

قال: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} ، فجاء بكلامه على طريقة التكلم، ثم قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، وكان السياق أن يقول: وإليه أرجع ولكنه جاء على طريقة الالتفات، وفيه شدة تحذير لهم، وتنبيه إلى أنهم صائرون إلى الله وراجعون إليه، ولا يتأتى هذا لو قال: وإليه أرجع، الالتفات فيه مواجهتهم بصيرورتهم إلى

من يكفرون به، وكأنه يقول لهم: كيف لا تتقون من يئول أمركم إليه وتسألون بين يديه؟


١ يس: ٢٠-٢٢.

<<  <   >  >>