للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال: {ففزع} : والمراد فيفزع؛ لأن الحدث لم يقع بعد، ولكنه عبر عنه بالماضي إشارة إلى تحقق وقوعه، فهو لا محالة واقع، وما دام الأمر كذلك، فلا فرق بين الماضي والمضارع، الماضي هنا يخيل أن الزمن قد طوى، وأنه قد فزع من السموات ومن في الأرض، وانظر إلى قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} ١، والقياس يأتي ولكنه لما كان آتيا لا محالة اعتبر كأنه قد أتى، وأنه فعلا قد أحاط بالحياة.

وانظر إلى قوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ٢، وقال: {حَشَرْنَاهُمْ} ، بصيغة الماضي كأن هذا الحشر الذي ينكره المعاندون قد وقع فعلا.

وانظر إلى قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} ٣، وتأمل صيغة الماضي في قوله: "فكبت"، والناس لا يزالون أحياء، وفيه كما ترى تهديد بالغ، ثم تأمل البناء للمجهول، وكيف دل على الحركة الخاطفة السريعة التي فجأتهم، فلم يدروا من أين أتت، ثم إن المجهول في هذا الموقف المخيف يثير خيالات كثيرة.

والقرآن الكريم يعرض كثيرا من مشاهد القيامة في صور الماضي، وكأنها أحدث قد وقعت، وذلك ليؤكد كينونتها، وأن زمن الدنيا في حساب الحق كأنه زمن قد انتهى ليواجه بهذا الأسلوب الحاسم دواعي الانصراف عن أمر القيامة.

ومن ذلك، قوله تعالى:

{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ


١ النحل: ١.
٢ الكهف: ٤٧.
٣ النمل: ٩٠.

<<  <   >  >>