للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ، قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ١.

الأحداث والمشاهد في هذه الآيات الكريمة لم تقع بعد، ولكن صياغتها تنقلها إلى المحيط الذي وقع، فقد تجلى الحق وأشرقت الأرض بالحقيقة المطلقة، ولم يعد في زواية من زواياها موضع للجحود والإنكار، ووضع الكتاب رمز العدل والفصل، وجيء بالنبيين والشهداء، وتزاحم الموقف بالصور والأحداث، ومرت كلها في رهبة ومر موكب الذين كفروا، وهم يساقون إلى جهنم زمرا بعدما انتهى الحوار بينهم وبين خزنة جهنم، ودخلوا أبوابها، وأحكم عليهم الرتاج في مثوى المتكبرين.

التعبير بالماضي عن المستقبل في هذا السياق تجاوز الزمن وطواه، فدارت بنا الأحداث، ووقفنا مع الواقفين، ووفيت نفوسنا ما عملت، ولم أجد مثل هذا في كلام الجاهليين أعني لم أجد اللغة في بيانهم قد انتزعت مشهدا متزاحما كهذا المشهد انتزعته من الزمن المقبل، وأدارته بأفاعيلها إلى زمن مضى، وكأنها أحداث قد تقضت، وانقضت كما ترى في الآية الكريمة، وكانت الصور الزاخرة عندهم هي صور حيوانات الصحراء، وصراعاتها أما مثل هذا فلا وجود له في شيء من كلامهم، والمهم أنك لا ترى في تقرير الحقائق أبلغ من هذا التعبير، ثم إن هذه الحقائق كما ترى لها أهمية كبيرة في العقيدة، وهي موضع مجاذبة؛ لأنها معتقدات بغيب فهي صور غريبة على النفوس الأرضية التي لا تؤمن إلا بما يدنو من حسها، ورؤاها مما يدور في آفاقها المحدودة.


١ الزمر: ٦٩-٧٢.

<<  <   >  >>