للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغرض بهذا، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ١، فإن المسند لو حذف لدل

عليه السؤال، وقد جاء كذلك في آيات أخرى إلا أن المقصد من ذكره هنا

زيادة تقرير خلق الله للسموات والأرض، ومثله قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ٢، فقد ذكر المسند في قوله: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} ، وفي السؤال ما يدل عليه كما ترى، والمقصود من الذكر أن يتقرر أن الله أحياها، وفيه إشارة أخرى، هي أنه لا يسأل عن الإحياء بعد الموت -أعني عن إمكانه- سؤال مستبعد منكر إلا من في عقله غشاوة تحجبه عن الإدراك النافد والرؤية الصادقة، مثله لا يعول في خطابه على ذكاء -وهذه الإشارة نجدها أيضا في الآية السابق: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} -وفي الآية لمحة ثالثة نراها في قوله: {الَّذِي أَنْشَأَهَا} ، وكان يمكن أن يقول: يحييها الله ولكن هذه الصلة تضمنت البرهان الصادق على جواب سؤالهم، وكأنه قال: يحيها الله بدليل أنه أنشأها أول مرة، وهذا أسلوب عجيب كما ترى، فقد قرر القضية بذكر المسند, وأقام برهانا بذكر

الموصول، فأصاب في الإفحام وأدمج القضية، ودليلها في أنفذ عبارة وأبينها، وكأنه يجمع بين الإيجاز الديد، وذكر ما يمكن حذفه، وهكذا الأساليب العالية لا تتبين فيها موضع إطناب من وجه إلا، وترى إيجازا خفيا من وجه آخر.

وقد ذكرنا أن قوله تعالى: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} ٣، أن الذكر فيه التعريض بغباوة من يخاطبهم، وهو كما نرى أسلوب يجيء على طريقة الآيتين السابقتين، ولا يصح أن يقال فيه: إنه للتقرير؛ لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام لم يكن غرضه أن يقررأن الذي حطم الأصنام هو كبيرهم.


١ الزخرف: ٩.
٢ يس: ٧٨، ٧٩.
٣ الأنبياء: ٦٢، ٦٣.

<<  <   >  >>