للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا الغرض الذي هو التقرير، والإيضاح من أهم أغراض ذكر المسند، وأكثرها اتساعًا، وغيره من الأغراض التي ذكرناها ربما كان ضيق المجال، كالتنبيه على غباوة السامع الذي ينحصر غالبا في مقامات الخطاب حين يكون المتكلم موجها كلامه إلى سامع غبي في حقية أمره، أو في اعتبار المتكلم، وربما كان بعضها محدودة القيمة مثل كونه الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه، ومثل الاحتياط لضعف التعويل على القرينة.

قلت: إن التقرير والإيضاح من أهم أغراض ذكر المسند وأشيعها، وذلك؛ لأن المعاني الأدبية لا يكفي فيها ما يكفي في الحالات الخطابية من مجرد الإفهام، وإنما هي محتاجة فوق ذلك إلى مزيد من التقرير، والتأكيد حتى تؤثر في النفس، وتداخل القلب، وتتعمق في الشعور، وذلك غاية الكلام البليغ، وإذا تأملنا كلام أرباب البيان وجدناه في حالات كثيرة، وقد دل بعضه على معاني بعض فقد قالوا: إنه لما أحيط بمروان قال خادمه: "من أغفل القليل حتى يكثر والصغير حتى يكبر، والخفي حتى يظهر أصابه مثل هذا".

وهذا -كما يقول أبو هلال- كلام في غاية الحسن، وإن كان معنى الفعلين الآخيرين داخلا في الفعل الأول.

وإذا تأملت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ١، وجدته كلاما في غاية الحسن، ووجدته أيضا يقرر بعضه بعضا ويدل بعضه على بعض، فالإحسان داخل في العدل، وإيتاء ذي القربى داخل في الإحسان، وكذلك الفحشاء داخل في المنكر، ولو قال: إنا لله يأمربالعدل لأفاد كل هذه المعاني لدخول الإحسان، وإيتاء ذي القربى في العدل، ولأفاد أيضا النهي عن الفحشاء والمنكر؛ لأن من يأمر بالعدل ينهى عن ضده، والفحشاء والمنكر يدخلان في هذا الضد، إلا أن الآية الكريمة نصت على كل معنى من هذه المعاني، فذكرت العدل والإحسان


١ النحل: ٩٠.

<<  <   >  >>