للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإيتاء ذي القربى والنهى عن الفحشاء، والمنكر وكان لهذا التنصيص زيادة في التقرير، والتثبيت وكان الكلام كما ترى.

ولهذه القيمة البلاغية عمد القرآن في كثير من المواطن إلى أسلوب التكرار ليوثق المعاني في النفوس، فجاء المسند مكررًا في مواطن كثيرة جدًّا.

من ذلك قوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ١، يكرر هنا وعيد، ويؤكده ليبث الخوف في أرجاء النفس، ويملأها بالإشاف والحذر، فتنكف عن إصرارها على العناد والكفر.

وقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ٢، كرر الوعد وأكده ليرسل في النفس أطياف، فتبدد أشباح اليأس.

وقوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ٣، وتكرير هذه النغمة الواعظة يحمل من التخويف، والترهيب ما تنفطر له القلوب، وهو كما قالوا في غاية حسن الموقع.

وحينما يتعمق مقطع من المعنى في حس الشاعر تراه يكرره، وتراه أحيانا يلح في تكراره ليقرره في النفوس كما تقرر في نفسه أولا؛ لأنه يستعذب هذا التكرار ويسعذب ما يبعثه من أنغام تمل طابع نفس، فهي شاجية إن كان في سياق الأسى، وهي طروبة إن كان في سياق يشبه الطرب ويتصل به، وبهذا تستطيع تفسير التكرار في قصيدة المهلهل -على أن ليس عدلا من كليب- فقد تكرر هذا المقطع في أكثر من عشرين بيتا؛ لأنه تعبير عن إحساسه بقدر كليب، وأنه ليس له نظير في القبائل، وهذا المقطع كما ترى محور أساسي في بناء معنى القصيدة، وجوها النفسي ثم هو بعيد الغور في ضمير المهلل، فهو


١ التكاثر: ٣، ٤.
٢ الشرح: ٥، ٦.
٣ الأعراف: ٩٧-٩٩.

<<  <   >  >>