للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتقول: "من البسيط":

وابكي أخاك ولا تنسي شمائله ... وابكى أخاك شجاعا غير خوار

وابكي أخاك لأيتام وأرملة ... وابكي أخاك لحق الضيف والجار

انظر في هذا السياق إلى كلمة أخاك، وتأمل ما فيها من الإحساس بفقد الكلأ والحماية، وتأمل ما تضمره هذه الإضافة من حنين يفجر كوامن الحزن.

وواضح أن التكرار فضلا على أنه أشاع البكاء في الأبيات بتكرار مادته، فقد شاعد على نوع من الترجيع النغمي، والتوازن الموسيقى الواضح الذي أصبحت به الأبيات كأنها عويل نائحة.

وإذا تركنا سياق الرثاء إلى غيره، وجدنا أمرأ القيس بعد ما يخاطب الطلل، ويحييه تحية الجاهلية، ثم يرجع عنها مستبعدا أن ينعم هذا الطلل، وقد طال عهده بفراق أحبابه، فهوحزين كثير الهموم يبيت بأوجال، يقول بعد ذلك ذاكرًا سلمى صاحبة الديار: "من الطويل"

وتحسب سلمى لا تزال ترى طللا ... من الوحش أو بيضا بميثاء محلال

وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا ... بوادي الخزامى أو على رأس أوعال

تراه يكرر: "وتحسب سلمى"؛ لأن فيه معنى قد علاه وغلبه، وصيره أقرب إلى الحالم الواهم، فهو يحسب سلمى لا تزال هناك مع أن الفناء قد تجسد في ديارها.

التكرار يشيع هذا المعنى، ويؤكد ذهول الشاعر واندماجه في ذكريات أيامه التي ابتلعها الماضي.

ووجدنا أيضا شاعرة مثل ليلى الأخيلية تذكر الحجاج وتقول:

إذا هبط الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها

<<  <   >  >>