للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقول طريف بن تميم: "من الكامل"

أوكلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلي عريفهم يتوسم

يذكر الشاعربسالته وشهرته، وأنه كلما وردت قبيلة سوق عكاظ أرسلوا القيم على أمرهم يتوسم الوجوه؛ ليتعرف على طريف طلبا للثأر منه؛ لأن له في كل قوم نكاية، ولو وضع الاسم موضع الفعل، وقال: بعثوا إلي عريفهم متوسا، لذهب من المعنى شكله ورواؤه، وفسد الكلام، وذلك؛ لأنه أراد أن العريف يقع منه التوسم والتعرف، والتأمل شيئا فشيئا، فهو دائب المراجعة والتصفح، وتجديد النظر في وجوه القوم، وهذا يعني أنه معنى جدا بالبحث عن طريف، ولو قال:متوسما لكان المعنى أن العريف على صفة التوسم، والتأمل دون إشعار بحالة التجديد.

وإذا عرفت هذه الخصوصية في دلالة الفعل ودلالة الاسم، تلك الخصوصية التي تشتد الحاجة إلى معرفتها في علم البلاغة كما يقول الجرجاني، فاعلم أن الفعل يفيد أيضا تفييد المسند بأحد الأزمنة الذي يدل الفعل عليها، فإذا كان ماضيا فإنه يقيد الحدث بالزمن الماضي، وإذا كان مضارعا قيده بحال، وهكذا، وذلك بخلاف الاسم، فإنه لا يدل على زمان.

ولا يشتبه علينا أنه ليس بلازم من كون المسند فعلا أن يكون جملة، فقد يكون فعلا وهو مفرد مثل: ينطلق زيد، فالمسند هو الفعل فقط، وهو مفرد وقد يكون ملة مثل زيد ينطلق، فالمسند هنا ينطلق مع فاعله -وهذا ظاهر.

والفرق بين كون المسند فعلا فقط مثل ينطلق زيد، وكونه جملة مثل زيد ينطلق أو زيد أبوه منطلق هو أن الجملة تفيد تقوي الحكم، وقد قالوا: إن كل ما خبره جملة يفيد التقوي.

وإذا عرفت أن الغرض من مجيء المسند جملة هو إفادة التقوي، فإني محدثك عن الفرق بين مجيء الجملة فعلية أو اسمية.

<<  <   >  >>