للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والفرق الذي ذكرناه هناك بين الاسم والفعل قائم هنا، فإذا كان الفعل يفيد التجدد، والحدوث فكذلك الجملة الفعلية، وإذا كان الاسم يفيد الثبوت والدوام، فكذلك الجملة الاسمية.

ويتضح ذلك في ضوء الشواهد:

انظر إلى قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ١، جاءت الجملة الأولى فعلية -أدعوتموهم- والجملة الثانية اسمية -أنتم صامتون- لتفيد الأولى التجدد والحدوث، والثانية الدوام والاستمرار، فيكون المعنى سواء عليكم أن تحدثوا دعاءهم، أو أن تستمروا على صمتكم، والمراد بالدعاء طلب الهداية والنجاة، والموجه إليهم الدعاء هي الأصنام المعبودة من دون الله، وكان الوثنيون الذين يعبدون هذه الأصنام من عادتهم أنهم لا يدعون هذه الأصنام إذا نزلت بهم شدة، وإنما يدعون الله، فقيل: سواء عليكم أأحدثتم الدعاء على غير عادة، أم بقيتم مستمرين على عادة صمتكم، ولو قيل: سواء عليكم أدعوتموهم أم صمتم لأفاد أن صمتهم عن دعائهم لم يكن ثابتا، وإنما هو صمت حادث، وهذا بخلاف الواقع.

ومثله قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} ٢، وعبروا بالجملة الفعلية في قولهم: أجئتنا، لتشير إلى التجدد وكأنهم يقولون: أحدث منك مجيء بالحق ولم تكن كذلك، وعبروا بالجملة الاسمية ثانيا في قولهم: أنت من اللاعبين، ليفيدوا الاستمرار والدوام يعني، أم أنت مستمر في لعبك الذي عهدناه فيك، ولو قالوا: أم لعبت، وجاء بالفعلية لأفاد أن اللعب حادث طارئ، وأنه كان قبل ذلك جادا غير هازل، وهذا غير مراد لهم.


١ الأعراف: ١٩٣.
٢ الأنبياء: ٥٥.

<<  <   >  >>