ومثله قوله تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} ١، عبروا في خطاب المؤمنين بقولهم: آمنا أي حدث بعد أن لم يكن، وفي خطاب إخوانهم إنا معكم أي مستمرون على مألوف كفرنا، وقد ذكرنا هذه الآية في أضرب الخبر، وأشرنا فيها إلى كلام الزمخشري، الذي فسر عدم التوكيد في الجملة الأولى بعدم وجود العزم، والإصرار وغير ذلك من المعاني النفسية التي تكون وراء التوكيد، فليس وراء كلامهم للمؤمنين حقيقةنفسية صادقة تدفع، وتحرك وتبعث، وقد وجدت هذه الحقيقة النفسية عند مخاطبة إخوانهم، وقولهم: إنا آمنا.
واعلم أن قولنا: إن الفعل يفيد التجدد، والاسم يفيد الاستمرار أصل واضح، ولكن الدقة والصعوبة يكمنان في ملاحظة اقتضاء المقام لأحدهما، وقد اجتهدت -مستعينا في ذلك بكلام الأئمة- في بيان وجه الاقتضاء المقام لأحدهما، وقد اجتهدت -مستعينا في ذلك بكلام الأئمة- في بيان وجه الاقتضاء، فيما ذكرت، فلا يغريك القول بأن الفعل للتجدد، والاسم للثبوت فتطلقه هكذا فيما ترى من شواهد؛ لأنك إن فعلت فأنت لم تفعل شيئا يعتد به، وكان حالك كحال من يقول في كل تقديم: إنه قدم للاهتمام، وإنما المهم أن تتعرف على مجرى المعنى
وسياقه، وكيف كان تجدد الحدث أو ثبوته يخصب المعنى، ويبسط حواشيه؟ وكيف يكون مهدرا لأجزاء من المعنى ينطفئ بها الكلام؟ وهكذا.