فهي لم تقصد أن تقصر صفة الحسن على بكائه، كما قصد الأعشى قصر هبة المائة على الممدوح؛ لأن القصر لا معنى له، وإنما أرادت أن تقرر لبكائه، صفة الحسن، وأن تفيد أن حسنه حسن ظاهر لا ينكره أحد، ولا يشك فيه شاك.
ومثله قول أبي الطيب:
هو الجد حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
فالتعريف في قوله: هو الجد أي هو المعروف المتعالم في هذا المعنى، أي في أنه يغب تدبير العقلاء والجد الحظ، وواضح أن هذا البيت ليس كقول حسان، ولا الخنساء من حيث إنه يفيد أن ثبوته للمسند إليه أمر ظاهر، وذلك؛ لأن المسند إليه هنا والمسند شيء واحد كما هو واضح، وإنما أفاد التنويه وأنه متعالم في معناه، ومثله قوله تعالى:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} ١، فالتعريف جاء في الذكور ليفيد
التنويه والتشهير، وكأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، هكذا قال الزمخشري.
وقد يكون تعريف المسند للإشارة إلى بلوغ المسند إليه في الصفة مبلغ الكمال، أو أنه بلغ فيها حقيقتها المتصورة في الذهن، أي التي يتصورها الذهن في أنقى وأكمل، وأثم صورها كما تقول: هو الرجل أي الذي احتاز الصفات والشمائل، والخلال وكل ما تدل عليه الرجولة في صورة نقية متكاملة، وكأنه احتاز المثال الأفلاطوني لهذه الكلمة، وهكذا تقول: هو الصادق أو هو الصاحب، أو هو الأخ إلى آخر هذا مما تجد آثاره لا تزال عالقة في الفطرة، وتأمل ما تسمعه من كلام العامة الذين برئت فطرتهم من التنطس، والحذق والتدقيق، ويقول عبد القاهر في هذا الوجه:"إن للخبر فيه مسلكا دقيقا، ولمحة كالخلس يكون المتأمل عنده كما يقال: يعرف وينكر"، ويقول فيه أيضا: "وهذا فن