للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نفس السامع حس خافت بالكلمة، فيوجب هذا الحس تقديمها كما في بيت السقط والمقال الذي قبله.

فترتيب الكلمات في العبارة يتبع أحوال النفس وما يثار فيها، أو ما يمكن أن يثار فيها من معان وصور، فإذا كانت كلمة البحر تثير في النفس الماء لا النقع، وجب أن تسبق في الترتيب كلمة الماء استجابة لهذه الإثارة التي نهضت بها كلمة أو تركيب سابق، فإذا قلت: نقعه ماؤه كنت قد أخرت في اللفظ ما هو مقدم في النفس، وتلك مجافاة تنبو بها الكلمات.

وهذا مبحث جليل كما ترى، وهو يتجه في بحث بناء الأسلوب إلى أصوله ومنابعه الداخلية، ويمكن أن يدخل في إطاره أسلوب مراعاة النظير، والمطابقة وكثير من الأساليب التي يرجع الحسن فيها إلى ما يشبه تلك الاستجابة، والمتابعة لما يثار في الخيال، وهذا هو طريق تحليل الشعر عند علمائنا، ولو قرأت قصيدة، وتفقدتها من هذا الجانب لوقعت على الكثير من الأسرار، ودقائق صنعة الشعر.

وهذا الموضوع لا يتصل بتقديم المسند؛ لأن المسند مؤخر في التركيبين -زيد المنطلق والمنطلق زيد-؛ لأن الفروق التي أشاروا إليها لا توجد إلا إذا كان المقدم محكوما عليه -مسندا إليه- والمؤخر محكوما به -مسند-، وإنما ذكرت هذه المسألة لأنبه إلى معناها فإنه دقيق، ولأنبه إلى أنها ليست من باب تقديم المسند، فإن ذلك قد يشتبه على الكثير، ولأنبه إلى أننا سوف نتناول تقديم تقديم المسند الذي يظل مسندا، أما المسند الذي يتحول إعرابه بعد التقديم، فيصير مسندا إليه، فلن نتعرض له؛ لأن الذي يتقن ما نحن فيه يسهل عليه إدراك هذا القسم.

وقد قال الخطيب: إن تقديم المسند يكون لتخصيصه بالمسند إليه، يعني لقصر المسند إليه عليه، فإذا قلت: قائم زيد صح أن يفيد قصر زيد على القيام، ويكون المعنى ما زيد إلا قائم.

ومنه قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ

<<  <   >  >>