للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وخلودهم إلى الأرض، واستشعارهم مشقة الجهاد، وعزوف أرواحهم عنه، وقد دعوا إليه في عام العسرة، فكان منهم ما وصفت الآية، ولذلك جاء التهديد البالغ ليواجه تخاذل أرواحهم، فقال سبحانه: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا} ١.

وخذ قوله تعالى يحكي مقالة سيدنا نوح عليه السلام لقومه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} ٢، وتأمل كلمة أنلزمكموها، وما فيها من صعوبة في النطق تحكي صعوبة الإلزام بالإيات وهم لها كارهون، وانظر كلمة فعميت وما فيها من الإدغام، والتشديد وكيف تصفان معنى التعمية والإلباس.

ولهذا لا أجد في كلمة أطلخم في بيت أبي تمام:

قد قلت لما اطلخم الأمر وانبعثت ... عشواء تالية غبسا دهاريسا

مخالفة للفصيح؛ لأن ثقلها وتداخل حروفها يحكيان الشدة، والاختلاط حين ينبهم الأمر، وتنبعث النوائب العشواء، واطلخم الأمر: اشتد وأظلم، والعشواء، داهية يعشى بها، والغبيس: الدواهي السود، والدهاريس: الدواهي.

والكلمة الواصفة في بيتي امرئ القيس هي كلمة أثيث، ولو جهدت في طلب كلمة صف الشعر الكثيف المسترسل الذي يغشى متن الحسناء لما وجدت، وأوصف من كلمة أثيث، وصوت الثناء المؤذن بتخلل الهواء من بين طرف اللسان والثانيا العليا، وتكرر هذا الصوت يصف معناه بحق.

أما الغرابة فهي أن تكون الكلمة وحشية أي لا يظهر معناها، فتحتاج في معرفتها إلى أن تنظر في كتب اللغة الواسعة، والذوق العربي لا يجب


١ التوبة: ٣٩.
٢ هود: ٢٨.

<<  <   >  >>